الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر هذه الواقعة شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني في كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)، حيث قال: أهديت إليه –أي عبد الرحمن الداخل- جارية جميلة فنظر إليها وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن، وردها على صاحبها. انتهى.
ومعنى هذا الكلام أن الجارية التي أهديت إليه قد أعجبته ، ولكنه ردها لصاحبها؛ لأنه إما أن يبقيها عنده وينشغل عنها ولا يهتم بها لأجل انشغال همته بمعالي الأمور كان في ذلك ظلم لها. وإما أن يهتم بها وينشغل عن معالي الأمور كالقيام على إمارته وشؤون رعيته وفتح البلدان ونحوها، فيكون بذلك قد ضيع هذه المعالي. فاختار إن يردها ليجمع بين عدم ظلمها وتحصيل معالي الأمور.
ففي هذه الواقعة دلالة على همته العالية، وهي التي عبر عنها بقوله: (إن لي همة هي أعلى من ذلك) أي أعلى من مجرد حمايته من العباسيين، ولهذا صار بعد توفيق الله له حاكما لبلاد الأندلس كلها.
والله أعلم.