الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يرزقك بر الوالدين ورضاهما.
واعلمي أنه من الواجب على المرء طاعة والديه، وامتثال أمرهما؛ لأن الطاعة من الإحسان، وقد قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، و نقل ابن حزم في المراتب الإجماع على وجوب برهما.
والبرّ ضد العقوق، فحيث وجبت طاعة الوالدين كان عصيان أمرهما من العقوق المحرم، قال ابن الأثير في النهاية: البِرُّ بالكسر الإحسان، ومنه الحديث في بر الوالدين: وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق: وهو الإساءة إليهم، والتضييع لحقهم.
والأصل في الواجبات أن تكون على الفور ما لم يوجد دليل بعكس ذلك.
لكن هذا الوجوب مقيد بخمسة شروط:
1/ القدرة على الامتثال؛ لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}.
2/ أن لا تكون هناك قرائن تصرف الأمر عن الإلزام، والإجبار إلى مجرد الإرشاد والتوجيه.
3/ أن تدل قرائن الحال على أن أمرهما على الفور لا التراخي، فإن كان على التراخي فلا عصيان بترك الامتثال مباشرة.
4/ ألا يكون المأمور به معصية؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
5/ ألا يلزم من امتثال أمرهما ضرر على الولد، أو فوات ضرورة؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. ولأن الضرورات تبيح المحظورات.
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية الشرطين بقوله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا.
فإذا تقرر ما سبق:
فإذا أمرتِ الأم ابنتها بإغلاق الجوال والنوم مباشرة أمرًا إلزاميًا، فتمادت البنت في المحادثة بغير ضرورة، فهذا من العقوق المحرم، فتجب عليها التوبة، والندم، وطلب السماح من الوالدة.
والله أعلم.