الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن تنازل تلك المرأة عن نصيبها من الميراث لأحد إخوتها، هذا يعتبر هبة منها له وتجري فيها أحكام الهبة، فلا تعتبر هبة لازمة إلا إذا وهبته وهي في غير مرض مخوف وحازه في حياتها، فحينئذ يصير ما وهبته ملكا لذلك الأخ.
وأما إذا وهبته ميراثها في مرض مخوف ـ ولو كانت بكامل عقلها ـ أو لم يحز تلك الهبة إلا بعد مماتها أو مرضها، فإن الهبة غير ماضية ويقسم ما وهبته له بين كل ورثتها، لأنه ميراث، وانظر المزيد في الفتاوى التالية أرقامها: 223708، 144783 111358.
كما أن دعوى الهبة لا بد أن تقوم على بينة أو يقر بها بقية الورثة، فإذا ادعى ذلك الأخ أن أختها وهبته ميراثها، فإن صدقه ورثتها فذاك، وإن لم يصدقوه فإنه لا تقبل دعواه حتى يقيم البينة الشرعية عند القضاء بهذه الدعوى، فإن لم يقم بينة قسم نصيبها بين ورثتها ولا عبرة بما ادعاه أخوها.
وأما هل يجوز لها أن تهب لأحد إخوتها دون الآخرين: فالجواب نعم، ولا يجب عليها في الأصل أن تعدل بينهم في الهبة، ولا حرج على ذلك الأخ أن يأخذ ما وهبته له أخته بالشرط المتقدم وهو أن تكون الهبة نافذة, وإنما جاء الأمر بالعدل في الهبة للأولاد، ولم يأت الأمر بالعدل في الهبة لسائر القرابة, قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في الشرح الممتع: لو كان للإنسان أخوان شقيقان، فهل يجوز أن يعطي أحدهما دون الآخر؟ ظاهر كلام المؤلف: يجوز، لأنه خص وجوب التعديل بالأولاد فقط، وهذا هو الحق، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ـ ولم يقل: بين ورَّاثكم ـ والنبي صلّى الله عليه وسلّم أعطي جوامع الكلم، ولو كان التعديل واجباً بين جميع الورثة لبينه النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكن إذا كان له أخوان، وخاف إذا أعطى أحدهما كان ذلك سبباً للقطيعة بالنسبة للآخر، فهنا له أن يعطيه، لكن يجب أن يجعل العطاء سرًّا، حتى لا تحصل القطيعة من الأخ الثاني، وهنا الواجب ليس هو التعديل، بل الواجب هو دفع ما يخشى منه من قطيعة الرحم، وهذا يحصل بالإسرار. اهـ.
والله أعلم.