الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
أما السائلة الكريمة، فقد أحسنت، وأجملت في إعانة زوجها على سداد الدين الذي على أبيه، ومن تمام معاشرتها لزوجها بالمعروف، دوام صبرها على سوء معاملة أبيه، ومطالبته بما ليس له بحق، فإن من أدب الإسلام مقابلة السيئة بالحسنة؛ قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ {المؤمنون:96} وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. {الزمر:10}.
ومثل ذلك يقال في حق الابن.
وفي خصوص مسألة الدين: فإنه إذا ثبت سداده، فإن المدين يكون قد برئت ذمته منه؛ فليس عليه ديانة أن يدفعه مرة أخرى، ولا تجوز مطالبته به.
غير أن مسألة ثبوت الدين مسألة قضائية لا دخل للفتوى فيها؛ لأنها تفتقر إلى المرافعة، والاستماع إلى الخصمين، والتحقيق في الحجج، وما يصحب ذلك من البينات، والأيمان، وغيرها...
فإذا استمر والد زوجك في إنكار اقتضائه للدين منكم، وطالبكم به عند القضاء، فليس أمامكم إلا تقديم ما عندكم من الأدلة، والحجج، والبينات، وتقدير قبول ذلك، أو رفضه هو من اختصاص القاضي.
ويجب العلم بأنه لو ثبتت براءة زوجك من الدين، فإن ذلك لا يسقط شيئًا من وجوب بره لأبيه، ولو كان الأب ظالمًا ومعتديًا؛ فإن حق الوالد على الولد عظيم، وقد أوجب الله دوام بر الأب، وحسن صحبته فيما لو جاهد ابنه على الإشراك بالله العظيم، فأحرى إذا كان الأمر دون ذلك.
قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}: ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: {فَلا تُطِعْهُمَا} أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه؛ ولهذا قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما. انتهى.
والله أعلم.