الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يقضي حاجتك، ويدخل السرور على قلبك، ويهيئ لك من أمرك رشدًا، واعلمي أن الله قد تعبدنا بسؤاله، والتذلل له، والإلحاح عليه في الدعاء، وجعل الدعاء واللجوء إليه، والتضرع بين يديه من أعظم العبادات، وأفضل القربات، وجعله سببًا لرفع البلاء، وكسب رضوان الله تعالى، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي. قال: يعني عن دعائي ـ سيدخلون جهنم داخرين. رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وصححه الشيخ الألباني.
وجاء الشرع بحثَّ المسلم على أن يدعو ربه في أي شيء يريده، ما لم يكن فيه إثم، أو قطيعة رحم، حتى في نعله إذا انقطعت، فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِيَسْألْ أحَدُكُمْ رَبّهُ حَاجَتَهُ كُلّهَا حَتّى يَسْألَ شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَع. رواه الترمذي.
وبذلك تعلمين أنه لا حرج عليك أن تسألي الله عز وجل حاجتك مهما كانت من أمور الدنيا، أو أمور الآخرة، بل ينبغي لك الإكثار من الدعاء، والإلحاح فيه، فهو عبادة، ولتحسني الظن بربك الكريم، ففي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًّا فله. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وأكثري من الاستغفار، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود.
ومما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه قال -: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أُمامة، ما لي أرَاك جالِسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون، يا رسول الله، قال: أفلا أُعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همَّك، وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب الله تعالى همي، وقضى عني ديني.
واعلمي - وفقنا الله وإياك لكل خير - أن من استجاب لله تعالى في أمره ونهيه، وصدق بوعده، وآمن به، فقد تحققت له شروط استجابة الدعاء، وانتفت عنه موانع الإجابة، فلن يخلف الله تعالى وعده، ولكن هذه الاستجابة قد تتم بإعطاء العبد ما يريده الآن، وقد يختار الله تعالى له - رحمة به، ومراعاة للأصلح له - غير ذلك من أنواع الإجابة، فقد يدفع عنه البلاء، وقد يدخر له في الآخرة، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح العباد، وأرحم بهم من أنفسهم وأهلهم، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد، والحاكم. وصححه الألباني.
ومن أهم أسباب إجابة الدعاء تحري الحلال في المأكل والمشرب، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم. وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك.
ولمعرفة ماهية الاعتداء في الدعاء انظري الفتوى رقم: 23425.
والله أعلم.