الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم اختلفوا فيمن حلف ليقضين فلانًا حقه فوهبه فلان هذا الحق فقبله، فذهب بعضهم إلى أنه يحنث، وتلزمه الكفارة مراعاة للفظ اليمين، وذهب بعضهم إلى أنه لا يحنث مراعاة للقصد، انظر الفتوى رقم: 67234 .
وعلى ذلك ؛ فالأولى للسائل أن يكفر عن يمينه احتياطًا إذا لم يصلح السيارة التي حلف على إصلاحها.
أما الكفارة فلا يجزئ فيها الصيام إلا لمن عجز عن الإطعام، أو الكسوة، أو العتق؛ فمن عجز عن أحد هذه الثلاثة لزمه صيام ثلاثة أيام، وانظر الفتويين: 80365، 145443.
وإذا أردت أن تكفر عن يمينك فلا بد أن تبحث عن من يستحقها، ولا تدفعها لمن تعلم أنه ليس مسكينًا، ولا تبرأ ذمتك بدفعها لغير مستحق.
أما من تظنه مسكينًا، أو ادعى هو ذلك، وجهلت حقيقة حاله، فيجوز لك أن تدفعها إليه؛ قال ابن رجب، وغيره: ولو دفع صدقته إلى من يظنه فقيرًا، وكان غنيًا في نفس الأمر، أجزأته على الصحيح؛ لأنه إنما دفع إلى من يعتقد استحقاقه، والفقر أمر خفي، لا يكاد يطلع على حقيقته. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: وَإِذَا أَعْطَى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يُجْزِئُهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الْجَلْدَيْنِ، وَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا مِنْهَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَهُ الصَّدَقَةَ: إنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ. وَلَوْ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الْغِنَى لَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهِمْ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُك فَقَدْ قُبِلَتْ، لَعَلَّ الْغَنِيَّ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وانظر الفتوى: 139340.
ولا يجزئك إعطاؤها لغير عشرة مساكين، لقول الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ {المائدة:89}.
وإذا كنت تعرف بعض بيوت المساكين فيجزئك إعطاؤها لهم إذا كانوا يبلغون العدد.
والله أعلم.