الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن خبث طوية الإنسان يحول بينه وبين الفلاح وحسن الخاتمة، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة" متفق عليه.
فالعبد الذي يستخفي من الناس، ولا يستخفي من الله جل وعلا، ويستحي من الخلق، ولا يستحي من الخالق، وإذا خلا بمحارم الله انتهكها، لجدير بالانتكاس والحرمان من حسن الخاتمة، وذلك بسبب ما في قلبه من ألوان النفاق والرياء والخبث.
قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث:" فإنه لم يكن عمله صحيحا في نفسه، وإنما كان رياء وسمعة" شرح الأربعين النووية.
وقال ابن عثيمين رحمه الله:" فهو فيما يبدو للناس يعمل بعمل أهل الجنة، أما فيما يخفى على الناس ففي قلبه سريرة خبيثة أودت به وأهلكته، ولهذا فأنا أحث دائماً أن يحرر الإنسان قلبه ويراقب قلبه، فأعمال الجوارح بمنزلة الماء تسقى به الشجرة، لكن الأصل هو القلب، وكثير من الناس يحرص ألا يخطئ في العمل الظاهر، وقلبه مليء بالحقد على المسلمين، وعلمائهم، وعلى أهل الخير، وهذا يختم له بسوء الخاتمة - والعياذ بالله -، لأن القلب إذا كان فيه سريرة خبيثة فإنها تهوي بصاحبه في مكان سحيق" شرح حديث ابن مسعود.
فالقول بأن ذنوب الخلوات أصل الانتكاسات يقصد به الحث على الالتزام بتقوى الله في السر والعلن، وخشيته في الغيب والشهادة، وألا يجعل العبد ربه أهون الناظرين إليه، وليس المقصود به دعوة الناس إلى المجاهرة بالمعصية بدلا من الاستتار بها؛ فإن من تغلبه نفسه وشيطانه فيضعف أمام المعصية لكنه يستتر بها عن أعين الناس حياء وخجلا ، فهذا لا شك أن حاله أهون من حال من ألقى جلباب الحياء وزال من قلبه استقباح المعاصي، فصار يجاهر بها ولا يبالي ، فالمجاهر يأثم من أجل المعصية في ذاتها ومن أجل المجاهرة والاستهانة بها. وانظري الفتويين التاليتين: 93737، 29331.
والله أعلم.