الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فواضح أن هذا الحديث لمن أُثني عليه بعد موته، وأما حديث الثلاثة فالذي يظهر أنه في الشهادة في الدنيا، ويؤيده رواية ابن خزيمة للحديث، والتي صحح إسنادها الألباني حيث جاء في آخرها: قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافًا لمعاوية، وأن رجلًا دخل على معاوية فحدثه بهذا قال: صدق الله ورسوله، من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله وباطل ما كانوا يعملون. انتهى.
وعلى هذا فلا تعارض أصلًا.
قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرح مسلم: وأما معناه ففيه قولان للعلماء:
أحدهما: أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، فكان ثناؤهم مطابقًا لأفعاله، فيكون من أهل الجنة، فإن لم يكن كذلك، فليس هو مرادًا بالحديث.
والثاني: - وهو الصحيح المختار - أنه على عمومه وإطلاقه، وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس، أو معظمهم الثناء عليه، كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه، استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء. انتهى.
فائدة: جاء في فتح الباري: قال الداودي: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة؛ لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم. انتهى.
ثم لو فرضنا أن قول من قال: قارئ، جواد، جرئ؛ كان بعد موتهم - وهو بعيد جدًّا من سياق الحديث - فيحمل على أن من قال ذلك هم الفسقة، لا أهل الفضل والصدق؛ فالشهادة المقصودة شهادة عموم المؤمنين، أولياء الله المتقين، وانظر كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام - رحمه الله - في الفتوى رقم: 200529، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 69372.
والله أعلم.