الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشعورك بالندم والتقصير هو أول خطوة في سبيل التوبة، من ذلك الذنب الذي اقترفته بقبول المال المسروق، والانتفاع به؛ لما نص عليه أهل العلم من أن الآخذ من الغاصب، أو السارق، أو المعتدي مثلهم ما دام يعلم أنهم قد اعتدوا على حق غيرهم.
قال عليش في فتاويه: مسألة في معاملة أصحاب الحرام، وينقسم مالهم قسمين: أحدهما أن يكون الحرام قائماً بعينه عند الغاصب، أو السارق أو شبه ذلك، فلا يحل شراؤه منه، ولا البيع به إن كان عيناً، ولا أكله إن كان طعاماً، ولا لباسه إن كان ثوباً، ولا قبول شيء من ذلك هبة، ولا أخذه في دين، ومن فعل شيئاً من ذلك فهو كالغاصب بكون الحرام قد فات في يده، ولزم ذمته. اهـ.
وقال الخرشي في شرحه على مختصر خليل: وَارِثَ الْغَاصِبِ، وَمَنْ وَهَبَهُ الْغَاصِبُ شَيْئًا، إنْ عَلِمَا بِالْغَصْبِ، حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْغَاصِبِ فِي غَرَامَةِ قِيمَةِ الْمُقَوَّمِ، وَمِثْلِ الْمِثْلِيِّ. اهـ.
وعلى كل، فالتوبة محبوبة إلى الله تعالى؛ لقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222}، وأنها واجبة على كل مسلم؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا {التحريم:8}. وأنها من أسباب الفلاح؛ قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}. ووصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه. خرجه البخاري.
ولا بد لصحة التوبة من ذلك أن ترد المال المسروق إلى أصحابه. فإن جهل أصحاب المال، ولم يمكن الوصول إليهم، فيتصدق به عنهم. وإن كنت لا تستطيع دفعه جملة إلا ببيع المنزل، فعليك بيعه لرد المال المسروق، ما لم يلحقك ببيعه مشقة يعسر تحملها، فتدفع منه ما تستطيع كل مرة مع العزم على دفع باقيه حتى تدفعه كله. وانظر الفتويين: 6420/149277.
والله أعلم.