الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعفو محبوب لله تعالى، كما قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}.
وهو أولى من الانتقام للقادر عليه، كما أوضحناه في الفتويين رقم: 54408، ورقم: 76714.
ولكن الرغبة في الانتقام وإباء العفو ليست دليلا على قسوة القلب، فإن لقسوة القلب علامات ذكرها أرباب القلوب، منها ضعف التأثر بالقرآن، وجمود العين من خشية الرحمن، وقلة الاعتبار بالموت، والسرور بنزول الأذى بالآخرين، كما في موسوعة الأخلاق، إلا أن هذه المشاعر السلبية من إباء العفو والرغبة في الانتقام وشدة الحزن على ما فات عندما تغلب على قلب ابن آدم ويتواصل معها الدعاء على الظالم في كل صلاة قد تتسبب في قسوته، والعفو من مكارم الأخلاق وآداب النفوس التي لا تكتسب إلا بالمجاهدة والرياضة، وحمل النفس على المكاره، وبابه باب الصبر على أذى الخلق، وتنظر في المجاهدة الفتوى رقم: 216973.
ومما يعين على تحصيل ذلك معرفة ثواب العفو وفضله، كما بيناه في الفتوى رقم: 24753.
وأما دعوة المظلوم على ظالمه: فهي مستجابة ولو بعد حين، كما بينته الأحاديث الصحاح المذكورة في الفتوى رقم: 143433.
وذلك إذا توفرت شروط الإجابة وانتفت موانعها، فمن الشروط الإخلاص في الدعاء، ومن الموانع استعجال الإجابة، وأن يدعو المظلوم على الظالم بأكثر مما يستحقه، لأن هذا من الإثم المانع من الإجابة، كما بيناه في الفتوى رقم: 28754.
فإذا تسببت مشاعر العداء نحو الظالم بقيام شيء من الموانع المذكورة، أو تخلف شيء من تلك الشروط كان ذلك سببا في تخلف الإجابة، وينبغي العلم بأن استجابة الدعاء أمر غيبي. وبالتالي، فلا يمكن الجزم بشيء فيها إلا في حدود ما ورد عنها في نصوص الوحي، على أن الاستجابة لا تتعين في تحقيق المطلوب، بل من حكمة الله ورحمته أنه جعل إجابة الدعاء على صور ثلاث، إما تحقيق المطلوب، أو أن يصرف عنه من السوء مثل ذلك، أو أن يدخرها له في الآخرة، وللمزيد في صور الإجابة وشروطها وموانعها تنظر الفتويان رقم: 123662، ورقم: 111052، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.