الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن ينسب الهوس لدين الإسلام، أولمن التزم به، ودعا إليه، واستعمال مصطلح: الهوس الديني ـ في ذلك من المنكرات الموبقة، فإن الهوس: طرف من الجنون، كما في المعجم الوسيط، فكيف ينسب ذلك إلى الدين وأتباعه؟ ونسبة الهوس للإسلام أو للدين الإسلامي، وتحذير الناس منه، لوثة من لوثات الإلحاد، وبذلك تكون عبارة: الهوس الديني ـ قريبة من كلمة مؤسس الفكر الشيوعي كارل ماركس: الدين أفيون الشعوب! وهي عبارة كفرية إلحادية، كما سبق لنا بيانه في الفتويين رقم: 69084، ورقم: 35638.
وانتقاص الدين ووصفه بالصفات المرذولة باب من أبواب الردة ـوالعياذ بالله- قال الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب: سب الدين من أعظم الكبائر، ومن نواقض الإسلام ـ نسأل الله العافية والسلامةـ فمن سب الإسلام، أو سب نبي الإسلام، أو سب رسولًا من الرسل، فقد ارتد عن الإسلام ـ نعوذ بالله ـ فإذا لعن الرسول، أو لعن الإسلام، أو سب الإسلام بأنواع السب، بأن قال: الإسلام دين جامد، أو دين ناقص، أو أفيون الشعوب، أو ما أشبه ذلك من التنقصات، فإن هذا يسمى سبًا، ويكون صاحبه مرتدًا عن الإسلام... اهـ.
وإذا ألصق هذا الوصف ـ الهوس الديني ـ بالجماعات الإسلامية، لا لشيء إلا لأنها تشارك في الشأن العام، وتتصدى للفكر العلماني الذي يدعو لفصل الدين عن الدولة، وإطلاق الحريات على المنحى الغربي، فهم بذلك يوصفون بالهوس لكونهم يرفعون راية الإسلام، وينادون بتطبيق الشريعة، ولا ريب في أن ذلك طعنًا في الدين نفسه، ومحاربة لتحكيم الشريعة، فيؤول الأمر للحال الأولى، يقول الدكتور محمد عثمان صالح ـ وهو رئيس سابق لقسم العقيدة ومقارنة الأديان بجامعة أم درمان وعميد سابق فيها لكلية الدراسات الإسلامية ـ في بحثه: الاحتساب: الحاجة إليه ومنزلته في الأديان السابقة ـ المنشور في مجلة البحوث الإسلامية: لا شك أن هذا الذي قررناه يسقط زعم بعض مرضى القلوب، ممن يرفضون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنهم يخدعون الناس ببريق الألفاظ الزائفة، كاحترام الحرية الشخصية، ورفض الوصاية على الناس، ورفض التعصب، والبعد عن الهوس الديني، أما حقيقة ما يريد هؤلاء فهو شيوع الفاحشة، وإباحة المعصية، واتباع الشيطان، ومخالفة أمر الرحمن، وأصدق دليل على هذا التقول قول الله تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا. اهـ.
وقال الدكتور محمد إسماعيل في محاضرة له بعنوان: الوسطية هي في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والفتنة والتطرف في مخالفته: وأيضًا مصطلح: الهوس الديني! وهذا شيء غير جديد؛ لأن الأنبياء قد رُمُوا بالجنون، كما قال الشاعر:
قيل إن الله ذو ولدٍ * قيل إن الرسول قد كَهَنا
لم يسلم الله والرسول معه * من كلام الورى، فكيف أنا؟
فلم يسلم الله سبحانه وتعالى مِن سبّ المشركين حينما زعموا أنه ذو ولد! أو أنه ثالث ثلاثة! أو أن له بنات وهن الملائكة! ولم يسلم الرسل كذلك: وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ {القمر:9} أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {ص:5} فهذا شأن الكفار والمعرضين عن شرع الله سبحانه وتعالى، فشأنهم أن يتطاولوا على أهل الحق بهذه المسميات الشيطانية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فالحق منحصر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج عنهما بحال من الأحوال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا {آل عمران:103} فكل من أحيا سنة، أو تمسك بها، وإن خالف كل الناس فهو معتصم بكتاب الله معتصم بحبل الله، وهذا اعتصام وتمسك ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. اهـ.
والله أعلم.