الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الناحية الحديثية، فهذا الحديث تكلم فيه أهل العلم، قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير: رواه الشافعي والبيهقي عنه بإسناد غير قوي ـ وضعفه الشيخ الألباني في إرواء الغليل، وعلى فرض صحته، فالطلاق مباح في الأصل ولكنه يكره إن لم تدع إليه حاجة، كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 61804.
وصحيح ما ذكرت من أنه ينبغي أن يقابل الزوج إحسان زوجته بالإحسان، ويقابل إكرامها له وحسن عشرتها معه بالوفاء فذلك من شيم الكرماء، والله عز وجل العلي الأعلى الغني الحميد يقابل الإحسان بالإحسان، فهو القائل سبحانه: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}.
وجميل الوفاء من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما أشرت في سؤالك إلى نبينا صلى الله عليه وسلم مع خديجة وإبراهيم عليه السلام مع سارة، ولكن هذا لا يعني أن لا يلجأ الزوج إلى الطلاق إن دعت إليه حاجة أو كانت هنالك مصلحة راجحة، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 104870.
ولا شك في أن التعدد مشروع، لما فيه من المصالح الكثيرة، وسبق لنا ذكر جملة منها في الفتويين رقم: 13275، ورقم: 71992.
ولكن ينبغي لمن أراد الإقدام عليه أن يتريث كثيرا ليتبين إن كان فيه مصلحة له أم لا، فقد لا تكون المصلحة في التعدد دائما فمن الناس من يكون ذلك سببا في تشتيت شمل أسرته وضياع أولاده، وغالبا ما يكون ذلك بسبب عدم حكمة الزوج وقدرته على مواجهة ما قد يطرأ من الغيرة بين الضرات، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأصل نكاح واحدة وأنه الأفضل، جاء في زاد المستقنع للحجاوي الحنبلي: ويسن نكاح واحدة.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع كلاما حول هذا الموضوع ننقله بكماله لأهميته: وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يسن أن يقتصر على واحدة، وعلل ذلك بأنه أسلم للذمة من الجَوْرِ، لأنه إذا تزوج اثنتين أو أكثر فقد لا يستطيع العدل بينهما، ولأنه أقرب إلى منع تشتت الأسرة، فإنه إذا كان له أكثر من امرأة تشتت الأسرة، فيكون أولاد لهذه المرأة، وأولاد لهذه المرأة، وربما يحصل بينهم تنافر بناء على التنافر الذي بين الأمهات، كما هو مشاهد في بعض الأحيان، ولأنه أقرب إلى القيام بواجبها من النفقة وغيرها، وأهون على المرء من مراعاة العدل، فإن مراعاة العدل أمر عظيم يحتاج إلى معاناة، وهذا هو المشهور من المذهب، فإن قال قائل: قوله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ {النساء: 3 }ألا يرجح قولَ من يقول بأن التعدد أفضل؟ لأنه قال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ـ فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل، وهذا يقتضي أنه إذا كان يتمكن من العدل فإن الأفضل أن ينكح أربعاً؟ قلنا: نعم، قد استدل بهذه الآية من يرى التعدد، وقال: وجه الدلالة أن الله تعالى يقول: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً { النساء: 3} فجعل الاقتصار على واحدة فيما إذا خاف عدم العدل، ولكن عند التأمل لا نجد فيها دلالة على هذا، لأن الله يقول: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ {النساء: 3}كأنه يقول: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى اللاتي عندكم، فإن الباب مفتوح أمامكم إلى أربع، وقد كان الرجل تكون عنده اليتيمة بنت عمه أو نحو ذلك، فيجور عليها، ويجعلها لنفسه، ويخطبها الناس ولا يزوجها، فقال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ـ أي: اتركوهن والباب أمامكم مفتوح لكم، إلا أنه لا يمكن أن تتزوجوا أكثر من واحدة إذا كان في حال خوف عدم العدل، فيكون المعنى هنا بيان الإباحة لا الترغيب في التعدد، وعلى هذا، فنقول: الاقتصار على الواحدة أسلم، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفيه ولا تعفه، فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، حتى يحصل له الطمأنينة، وغض البصر، وراحة النفس. اهـ.
والله أعلم.