الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فامتهان الطرب، أو احترافه، حرام، وفسوق، كما بيناه في الفتوى رقم: 50155، والفتوى رقم:23996 وما أحيل عليه فيها.
وقد اختلف أهل العلم في حكم تزويج المرأة غير الفاسقة من الرجل الفاسق على ثلاثة أقوال، وذلك بناء على خلافهم في اشتراط الكفاءة في صحة النكاح.
فالقول الأول ـ وهو مذهب الشافعية، والحنفية في ظاهر الرواية، وهو المعتمد عند المالكية الذي شهره الفاكهاني، والمذهب عند أكثر متأخري الحنابلة والأصح كما قال في المقنع والشرح: أن الكفاءة تعتبر للزوم النكاح لا لصحته غالبا، فيصح النكاح مع فقدها؛ لأنها حق للمرأة، وللأولياء، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم. وهو ما روي عن عمر وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير، وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين.
والقول الثاني ـ وهو مذهب الحنفية - في رواية الحسن المختارة للفتوى عندهم - واللخمي، وابن بشير وابن فرحون وابن سلمون - من المالكية - وهو رواية عن أحمد. . : أن الكفاءة شرط في صحة النكاح.
والقول الثالث ـ وهو مذهب الكرخي، والجصاص وهو قول سفيان الثوري، والحسن البصري: عدم اعتبار الكفاءة، وقالوا: إنها ليست بشرط في النكاح أصلا. انتهى من الموسوعة الفقهية الكويتية بتصرف يسير.
والراجح من هذه الأقوال الأول، وهو قول الجمهور أن الكفاءة شرط في لزوم النكاح وليست شرطا في الصحة؛ وللمزيد في تقرير هذا القول تنظر الفتوى رقم: 211597.
وبناء عليه، فإذا تراضت المرأة مع الأولياء على أن تتزوج من مطرب، فإن النكاح يصح. إلا أنه لا ينبغي لأولياء المرأة ترك العدول من الرجال، وتزويج موليتهم من الفسقة، كما لا ينبغي للمتدينة أن ترضى بالفاسق زوجا؛ لما في ذلك من المفاسد الاجتماعية، وتعريض الزوجة والأولاد للفتنة في دينهم. فعن مطرف عن الشَّعبيّ قَالَ: مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ، فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا. اهـ من حلية الأولياء للأصفهاني.
ولذلك قال الإمام ابن القيم: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر. ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك. انتهى من زاد المعاد.
وقد أشرنا إلى أقوال بعض الفقهاء في المنع من ذلك في الفتوى رقم:131824.
والله أعلم.