الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذا التنازل هو نوع من الهبة، فالرجوع عنه له حكم الرجوع عن الهبة.
والأصل في الرجوع عن الهبة أنه محرم عند جمهور العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم قال: العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه. متفق عليه من حديث ابن عباس.
لكن العلماء مختلفون في مسألتين من مسائل الرجوع في الهبة، تتعلقان بسؤالك.
المسألة الأولى: حكم رجوع الجدة عن الهبة، وأكثر العلماء على أن الجدة لا يحق لها الرجوع في الهبة.
قال ابن هبيرة: وأما الجد فلا يملك الرجوع عند أبي حنيفة، وأحمد، ومالك، وقال الشافعي: يملك .اهـ.
المسألة الثانية: رجوع الواهب عن الهبة قبل قبض الموهوب له، وأكثر العلماء على أن للواهب الرجوع عن الهبة قبل قبض الموهوب له.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الإيجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتفاق الفقهاء، أما القبض فلا بد منه لثبوت الملك، وذلك عند الحنفية، والشافعية؛ لأن الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرع شيء لم يلتزمه، وهو التسلم، فلا تملك بالعقد، بل بالقبض؛ لما روي عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقًا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله، يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرًا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقًا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث.
وما ذهب إليه الحنفية، والشافعية هو رأي بعض الحنابلة، والرأي الآخر للحنابلة: أن الهبة تملك بالعقد، فيصح التصرف من الموهوب له فيها قبل القبض، كذا في المنتهى وشرحه، وهو الذي قدمه في الإنصاف. وعلى رأي الحنفية، والشافعية، ومن رأى رأيهم من الحنابلة: يجوز الرجوع فيها قبل القبض؛ لأن عقد الهبة لم يتم، ولكنه عند من يرى ذلك من الحنابلة يكون مع الكراهة، خروجًا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد .اهـ. باختصار يسير.
وعليه، فلا يجوز للجدة الرجوع عن تنازلها عن دية ابنها لأحفادها، إلا إن كان رجوعها قبل قبض الأحفاد لنصيبها من الدية، فحينئذ يجوز لها الرجوع.
وانظر الفتوى رقم: 183701، والفتوى رقم: 176149.
والله أعلم.