الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللحن الخفي لا يقع به الكفر، ولا تبطل به الصلاة، ولا يعتبر الوقوع فيه من الاستهزاء بالقرآن، ولكنه يستحب الاعتناء به لمن كان يقدر عليه، وقد قال علي القارئ: وينبغي أن تراعى جميع قواعدهم وجوبًا فيما يتغير به المبنى، ويفسد به المعنى، واستحبابًا فيما يحسن به اللفظ، أو يستحسن به النطق حال الأداء.
وأما اللحن الخفي فقال: لا يتصور أن يكون فرض عين يترتب العقاب على قارئه لما فيه من حرج عظيم. اهـ
وما دمت تعرف الوسوسة من نفسك، فعليك أن تعرض عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس، وأن تمضي في صلاتك بصورة عادية، غير مكترث بالتدقيق في كيفية النطق حتى يعافيك الله عز وجل، فقد حذر أهل العلم من الوسوسة في المخارج مبينين خطرها، وأنها من تلبيس الشيطان على المسلم، وليكن تركيزك على تدبر معاني القرآن، واستشعار الخشوع في الصلاة بدلًا من التركيز على كيفية النطق بالحرف، فإن الوسوسة في مخارج الحروف من مصائد الشيطان، كما أن تركيز المصلي على مخارج الحروف، وتعمقه في النطق بالتكبير، وغيره، وإغفال تفهم القرآن، والاتعاظ به من غرور الشيطان، قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف، والتنطع فيها، ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم: قال أبو الفرج ابن الجوزي: قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف، فتراه يقول: الحمد، الحمد، فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة، وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب، قال: ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده، والمراد تحقيق الحرف حسب، وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق، ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة، وكل هذه الوساوس من إبليس. انتهى.
وأما إعادتك بسبب اللحن الخفي: فلا تشرع؛ لأن بعض الفقهاء ذكر منع إعادة الأفعال التعبدية لغير موجب شرعي، كما قال صاحب الكفاف:
وصرح الأشياخ بامتناع إعادة النسك لغير داع. اهـ.
وأما سترك نفسك، وكتم ما أصبت به من الوسواس: فليس فيه محظور شرعي، ولا يعتبر من الشرك، بل إن بعض العلماء يرى أن كتم المصيبة أفضل، وجعله من كمال الصبر، كما قال الغزالي في إحياء علوم الدين: من كمال الصبر كتمان المرض، والفقر، وسائر المصائب، وقد قيل من كنوز البر: كتمان المصائب، والأوجاع، والصدقة. اهـ.
والله أعلم.