الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت نصوص كثيرة في الزجر عن التصوير، ووعيد المصورين بإطلاق، دون ذكر المضاهاة، من ذلك حديث عائشة: أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، فعرفت، أو فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لك، تقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة. متفق عليه.
وحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. متفق عليه.
وحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. متفق عليه.
وفي لفظ لمسلم: إن من أشد أهل النار يوم القيامة عذابا المصورون.
وحديث ابن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخ. متفق عليه.
وأما ذكر مضاهاة الخلق: فقد جاء في حديث عائشة، أنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة، الذين يضاهون بخلق الله، قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. متفق عليه.
وفي لفظ لمسلم: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام فيه صورة، فتلون وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، ثم قال: إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة، الذين يشبهون بخلق الله.
والظاهر من هذا الحديث أن التصوير في نفسه فيه مضاهاة ومشابهة لخلق الله، وليس فيه ما يدل على اعتبار قصد المضاهاة، وعلى فرض أن المراد بهذا الحديث هو قصد المضاهاة، فيكون ذلك معلقا بهذا الوعيد بخصوصه ـ وهو أنه أشد الناس عذابا ـ لا أن حرمة التصوير معلقة بقصد المضاهاة، جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: قال الطبري: إن قال قائل: ما أنت قائل فيمن صور صورة وهو لله موحد ولنبيه عليه السلام مصدق أهو اشد عذابا أم فرعون وآله؟ فإن قلت: من صور صورة، قيل: قد قال الله خلاف ذلك: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ـ قيل: ليس في خبر ابن مسعود خلاف للتنزيل بل هو له مصدق، وذلك أن المصور الذي أخبر النبي عليه السلام أنه له أشد العذاب هو الذي وصفه النبي عليه السلام في حديث عائشة بقوله: الذين يضاهون خلق الله ـ قال المؤلف: المتكلف من ذلك مضاهاة ما صوره ربه في خلقه أعظم جرما من فرعون وآله، لأن فرعون كان كفره بقوله: أنا ربكم الأعلى ـ من غير ادعاء منه أنه يخلق ولا محالة منه أن ينشئ خلقا يكون كخلقه تعالى شبيها ونظيرا، والمصور المضاهي بتصويره ذلك منطو على تمثيله نفسه بخالقه، فلا خلق أعظم كفرا منه فهو بذلك أشدهم عذابا وأعظم عقابا، وأما من صور صورة غير مضاه ما خلق ربه، وإن كان بفعله مخطئا، فغير داخل في معنى من ضاهى ربه بتصويره، فإن قيل: وما الوجه الذي تجعله به مخطئا إذا لم يكن في تصويره لربه مضاهيا؟ قيل: لاتهامه نفسه عند من عاين تصويره أنه ممن قصد بذلك المضاهاة لربه، إذ كان الفعل الذي هو دليل على المضاهاة منه ظاهرا، والاعتقاد الذي هو خلاف اعتقاد المضاهي باطن لا يصل إلى علمه راءوه. اهـ.
وأما سؤالك: متى يكون العمل محرم شرعا فقط على حسب النية؟ فجوابه: أن هذا في الأعمال التي ليست محرمة في نفسها كالأمور المباحة أو المشروعة قد يطرأ عليها التحريم لنية فاعلها، كمن صلى رياء ففعله محرم لنيته، وهكذا، وأما الأمور المحرمات في أصلها، فنية صاحبها مهما كانت لا تخرجها عن كونها محرمة، وإنما النية قد تزيد الحرمة وتضاعف الإثم فقياس الشعور بالمضاهاة على الإمام الذي يشعر بالكبرياء غير صحيح بإطلاق، لأن التصوير محرم في أصله دون اعتبار قصد فاعله، وأما الصلاة فليست محرمة في نفسها، وإنما تحرم إذا صاحبتها نية محرمة، وراجع لمزيد فائدة في موضوع التصوير الفتوى رقم: 231577.
والله أعلم.