الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في القدر المحرم من الرضاعة، فمنهم من قال: إن قليل الرضاعة وكثيرها محرم، ومنهم من قال: لا يحرم إلا ثلاث رضعات فصاعداً، وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه لا يحرم إلا خمس رضعات، ولكل منهم دليله الذي يدعم به قوله ويقوي به رأيه.
والذي نراه هو أن الرأي الأخير أرجح، لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن، عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن.
تقصد بذلك أن نسخ تلاوة الرضعات الخمس تأخر إنزاله جداً، حتى إنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها من القرآن الكريم، لكونه لم يبلغه نسخ تلاوة ذلك لقرب عهده.
وهذا القول أرجح لأمرين:
أولهما أن الحديث نص صريح في الموضوع.
والثاني: فعل سهلة بنت سهيل رضي الله عنها حين أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن ترضع سالماً من أجل أن تحرم عليه فأرضعته خمساً، مما يدل على أنه كان مستقراً عندهم أنه لا يحرم إلا خمس رضعات، والقصة في الموطأ وأبي داود.
والرضعة الكاملة هي أن يلتقم الصبي الثدي فيرتضع منه ثم يترك الرضاع باختياره من غير عارض يعرض له.
فإن لفظ الصبي الثدي ثم عاد إلى التقامه في الحال أو تحول من ثدي إلى ثدي لنفاذ ما فيه، أو لهى عن الامتصاص ثم عاوده والثدي في فمه، أو قطع الارتضاع ليتنفس أو يستريح، أو تخلل ذلك نومة خفيفة فكل ذلك رضعة واحدة.
هذا؛ وإذا وقع الشك هل أرضعته خمساً أو أقل لم يثبت التحريم لأن الأصل عدمه فلا يزول إلا بيقين، وإذا تقرر هذا عرف السائل جوابه.
والله أعلم.