الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقود المحرمة لا يبيحها التراضي بين المتعاقدين ومسامحة كل منهما للآخر؛ لأن علة منعها ليست هي عدم الرضا حتى نعلق الحكم عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: فليس كلُّ ما طابَتْ به نفسُ صاحبه يخرج عن الظلم، وليس كلُّ ما كرهه باذِلُه يكون ظلمًا.
قال أيضا في كتابه السياسة الشرعية: عامَّة ما نهى عنه الكتاب والسُّنَّة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل والنهي عن الظلم، دقِّه وجلِّه؛ مثل أكل المال بالباطل وجِنسه من الربا والميسر، وأنواع الربا والميسر التي نهى عنها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مثل: بيع الغرر، وبيع حبل الحبلة، وبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، والبيع إلى أجَلٍ غير مُسمًّى، وبيع المصراة، وبيع المدلس، والملامسة، والمنابذة، والمزابنة والمحاقلة والنجش، وبيع الثمر قبل بدوِّ صَلاحه، وما نهي عنه من أنواع المشاركات الفاسدة، كالمخابرة، بزرع بقعة بعينها من الأرض.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: وإذا اعتُبِرت الأسباب التي من قِبَلِها ورَد النهي الشرعيُّ في البيوع، وهي أسباب الفساد العامَّة، وجدت أربعة: أحدها تحريم عين المبيع، والثاني الربا، والثالث الغرر، والرابع الشروط التي تَؤُول إلى أحد هذين أو لمجموعهما، وهذه الأربعة هي بالحقيقة أصولُ الفساد..
وعليه؛ فلا يحلُّ الربا ولو تراضَى به البيعان، بل من المعروف أن عقود الربا تحصل برضى الطرفين ومع هذا حرمته الشريعة بلا شك.
والله أعلم.