الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا حلاً لمشكلة الأوراق المحتوية على ذكر الله في الفتوى رقم: 122041.
ولا شك أن غير المصحف مما فيه ذكر الله، يجب احترامه، وترك امتهانه، كما بينا في الفتوى رقم: 73022، وتوابعها.
فلا يجوز رمي الأوراق التي تحتوي على اسم الجلالة، أو آية من كتاب الله، أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما له تعلق بالدين في سلة المهملات، أو مكان الأوساخ؛ لما في ذلك من امتهانها، والواجب على المسلم أن يحفظ ما في يده مما يتضمن اسم الله عز وجل، أو ما له تعلق بالدين، حتى يدفنه في مكان محترم، أو يحرقه.
ومع هذا، فما ذكرته من التهاون مع الورق الذي فيه اسم الله، لا يستوي مع تعمد ترك المصحف؛ بل في كلام الدسوقي الذي نقلته التفريق بين الورق الذي فيه اسم الله؛ فيحرم تركه، وبين ما فيه آية او حديث؛ فيكفر بتركه ممتهنًا.
وأما المذاهب الأخرى في المسألة، فإن مدار الأمر عندهم على الاستخفاف؛ فما دل على الاستخفاف فهو كفر، وما احتمل، لم يحكم بكفره.
فقد جاء في حاشية قليوبي وعميرة في الفقه الشافعي: قوله: (كإلقاء مصحف بقاذورة) بالفعل، أو بالعزم، والتردد فيه، ومسه بها كإلقائه فيها، وألحق بعضهم به وضع رجله عليه، ونوزع فيه، والمراد بالمصحف ما فيه قرآن، ومثل المصحف الحديث، وكل علم شرعي، أو ما عليه اسم معظم، ولا بد في غير القرآن من قرينة تدل على الإهانة، وإلا فلا. انتهى.
وقال النووي: أجمعوا على أن من استخف بالقرآن، أو بشيء منه، أو بالمصحف، أو ألقاه في قاذورة، أو كذب بشيء مما جاء به من حكم، أو خبر , أو نفى ما أثبته، أو أثبت ما نفاه، أو شك في شيء من ذلك، وهو عالم به، كفر. اهـ.
وقال ابن عابدين في رد المحتار: لو سجد لصنم، أو وضع مصحفًا في قاذورة فإنه يكفر, وإن كان مصدقًا؛ لأن ذلك في حكم التكذيب, كما أفاده في شرح العقائد, وأشار إلى ذلك بقوله للاستخفاف, فإن فعل ذلك استخفاف، واستهانة بالدين فهو أمارة عدم التصديق. اهـ.
وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 219502، 112698، 230455.
ولا شك أن من تعظيم المصحف رفعه عن القطة، ومنعها من الوطء عليه، ولو كانت طاهرة؛ بل نص الفقهاء على أنه لا يوضع فوقه كتاب علم شرعي؛ فكيف بالقطة؛ وانظر الفتوى رقم: 166835.
ولكنه لا تحصل بذلك الردة إلا إذا كان مستخفًا به؛ فالأصل أنه مسلم، ولا يزول هذا اليقين بالشك؛ وانظر الفتوى رقم: 248032، وأما الفتوى رقم : 64588، فكانت حول إلقاء أوراق محتوية على آيات قرآنية، وأحاديث نبوية في سلة المهملات، وقد ذكرنا فيها أن تركها في مثل هذا المكان يعد كفرًا، وأما الفتوى رقم: 113332؛ فقد ذكرنا فيها أن مجرد إلقاء المصحف دون قصد الإهانة لا يعد كفرًا، ولكنه أمر شنيع، وشتان بين ذلك، وبين إلقائه في مكان مستقذر مثل سلة المهملات، وهو كفر لا ريب فيه، كما بين العلماء على نحو ما ذكرنا في الفتوى الأولى.
الله أعلم.