الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن التبرج محرم لا يجوز، ودليل التحريم لا يقف عند هذا الحديث، فلو فرضنا عدم صحة الاستدلال به، فهناك أدلة أخرى ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 29313، وتوابعها.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم رأى متبرجات في زمانه: فهذه دعوى عريضة لا برهان لها، بل الأمر بالعكس، أي أن واقع الحال يدل على شيوع الحجاب وانتفاء التبرج، بل والسفور، قال الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ في حراسة الفضيلة: معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل، المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن، فهذان إجماعان متوارثان معلومان من صدر الإسلام، وعصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكى ذلك جمع من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم ـ رحمهم الله تعالى ـ واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب ـ وكانت بداية السفور بخلع الخمار عن الوجه في مصر، ثم تركيا، ثم الشام، ثم العراق، وانتشر في المغرب الإسلامي، وفي بلاد العجم، ثم تطور إلى السفور الذي يعني الخلاعة والتجرد من الثياب الساترة لجميع البدن ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون ـ وإن له في جزيرة العرب بدايات نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يكف البأس عنهم. انتهى.
جاء في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وقوله: صنفان من أهل النار لم أرهما ـ أي: لم يوجد في عصره منهما أحدٌ، لطهارة أهل ذلك العصر الكريم.
وقال القاري في المرقاة: وفي رواية: لم أرهما بعد ـ المراد أنه عليه الصلاة والسلام لم يرهما في عصره لطهارة ذلك العصر، بل حدثا بعده، قال النووي: هذا الحديث من المعجزات، وفيه ذم هذين الصنفين. انتهى.
والله أعلم.