الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت البنت مستغنية بمال، أو كسب، فلا نفقة لها على أبيها.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها، أن يكونوا فقراء، لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال، أو كسب يستغنون به، فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك.
وإذا أنفق الأب على ابنته الموسرة، أو أعطاها مالاً لغير حاجة تقتضي اختصاصها به، فالواجب عليه أن يسوي بين أولاده في تلك العطية.
قال البهوتي -رحمه الله-: نص أحمد في رواية صالح، وعبد الله، وحنبل، فيمن له أولاد، زوج بعض بناته، فجهزها وأعطاها، قال: يعطي جميع ولده مثل ما أعطاها، وعن جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل له ولد يزوج الكبير، وينفق عليه ويعطيه، قال: ينبغي له أن يعطيهم كلهم مثل ما أعطاه، أو يمنحهم مثل ذلك.
وقال ابن تيمية –رحمه الله-: .. فإنْ زاد على المعروف، فهو من باب النِحل، ولو كان أحدهما محتاجًا دون الآخر، أنفق عليه قدر كفايته، وأمّا الزيادة فمِن النِحل.
والتسوية تكون بأحد أمرين: إما بأن يعطي سائر أولاده مثل ما أعطى البنت، أو يرد ما أعطاه للبنت إن أمكن.
قال ابن قدامة: فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها، أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر.
يجوز التفضيل بين الأولاد في الهبات إذا تراضوا بينهم، وأذنوا في ذلك بطيب نفس.
قال الرحيباني –رحمه الله-: وَحَلَّ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ، وَأُمٍّ، وَغَيْرِهِمَا تَفْضِيلٌ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِإِذْنٍ بَاقٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ.
إذا كان على البنت ديون تعجز عن أدائها، فلا حرج على الأب في إعطائها المال دون غيرها من أولاده، ولا حرج عليها في أخذ هذا المال من أبيها.
قال ابن قدامة: فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده؛ لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه.
لا تجب التسوية بين الأولاد في الأمور اليسيرة التي يتسامح الناس بها في العادة، كيسير الطعام، والشراب، واستعمال أدوات البيت، ونحو ذلك.
قال البهوتي –رحمه الله-: ولا يجب التعديل بينهم في شيء تافه؛ لأنه يتسامح به، فلا يحصل التأثر.
يجب على الأب الموسر أن ينفق على بنته طالما كانت محتاجة، ولو كانت تقدر على الكسب؛ وراجعي الفتوى رقم: 25339.
والله أعلم.