الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الأرحام بين الإخوة من الصلة الواجبة في الإسلام باتفاق الفقهاء؛ لأنهم من محارم الأرحام، وقطيعتها من كبائر الذنوب والآثام، قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:22}.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع. متفق عليه.
فإذا تقرر ذلك فأمر الأم أولادها بقطيعة أرحامهم، ومعاقبة من يصل رحمه منهم بالقطيعة، والهجر محادة للشرع، ومعصية للرب جل جلاله.
أما الأولاد: فيحرم عليهم طاعة أمر أمهم بالقطيعة فيما بينهم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، ففي الصحيحين من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطاعة في المعروف.
بل إن مخالفة أمر الأم في ذلك هو عين البر بها؛ لئلا تحمل أوزار أولادها في قطيعة الرحم بينهم، فإن الداعي إلى المعصية يحمل مثل أوزار من تبعه على المعصية، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ, كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا. رواه مسلم.
ولا عبرة بغضب الأم بغير حق، فإن غضب الله على قطيعة الأشقاء أرحامهم أعظم، وطاعته أوجب، كما أنه يجب على الأولاد مناصحة أمهم بالحكمة، والرحمة، والموعظة الحسنة، ومعرفة سبب نهيها، وغضبها من تواصلهم، وعلاج المشكلة، فليس من عادة الأمهات الدعوة إلى قطيعة الصلة بين الأولاد، والاحتساب على الأمهات محل اتفاق بين الفقهاء، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: أجمع الفقهاء على أن للولد الاحتساب عليهما؛ لأن النصوص الواردة في الأمر والنهي مطلقة، تشمل الوالدين، وغيرهما، ولأن الأمر والنهي لمنفعة المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن يوصل الولد إليهما المنفعة. انتهى.
وعلى الأولاد الالتزام في ذلك بضوابط فقه الاحتساب على الوالدين، والتي أوضحناها في الفتويين رقم: 224710 ورقم: 245989.
ومن أعظم الناس إثمًا في هذه الفتنة النمام، وهو الذي ينقل أخبار التواصل بين الأولاد إلى أمهم، وهو يعلم عواقب فعلته فإن النميمة من كبائر الذنوب، فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات. متفق عليه.
والقتات النمام، فكيف إذا أدت النميمة -وهي كبيرة- إلى كبيرة أخرى -وهي قطيعة الأرحام بين الأولاد وأمهم-!؟
فالواجب على ناقل تلك الأخبار أن يتقي الله في هذه الأسرة، وأن يمسك لسانه عن الوشاية، وأن يسعى في رأب الصدع، وإصلاح ذات البين -لعل الله أن يتوب عليه-.
والله أعلم.