الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن التقوى لها فضل عظيم، إذ يكفي أن الله جعلها غاية أعظم العبادات كالصوم، والحج، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة:21}.
وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ {المؤمنون: 23}.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة:183}.
وقال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {الحج: 37}.
والتقوى واجبة، كما بينا في الفتوى رقم: 254278.
وكذلك الصلاة من أجل الأعمال، قال القاري: قال الْعُلَمَاءُ: إَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَيُوَافِقُهَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ ـ أَيْ: خَيْرُ عَمَلٍ وَضَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ به.
فلعل هذا مقصودك بعبارة: الفضل كله، وإلا فليس المقصود أنها تغني عن غيرها، بل كل عبادة لها فضيلة، وإن كان تحصيل التقوى مقصود من العبادات، ولا شك أن التطوع بالصلاة، والصيام فيه فضل عظيم، وإن كان لا يبلغ فضل الفريضة، لقوله تعالى في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وصلاة التطوع لها فضل كبير، وانظر الفتوى رقم: 110299.
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في الشتاء والورق يتهافت، فأخذ بغصن من شجرة، قال: فجعل ذلك الورق يتهافت فقال: يا أبا ذر؛ قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله فتهافت عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وعن معدان بن أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته، فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة. رواه مسلم.
وللتطوع بالصوم فضائل كثيرة منها: ما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به.
وأخرج الإمام أحمد في المسند، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان. صححه الألباني.
وأخرج الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه عن أبي أمامة، قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، قال: اللهم سلمهم وغنمهم، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات قال: ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله، إني أتيتك تترى ثلاث مرات، أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقلت: اللهم سلمهم وغنمهم فسلمنا وغنمنا يا رسول الله، فمرني بعمل أدخل به الجنة، فقال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له، قال: فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهارا عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف. صححه الألباني.
والله أعلم.