الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطالما كتبت الطلاق مدركًا ناويًا إيقاعه فهو نافذ، ولو كان في حال الغضب، فالغضب ليس مانعًا من نفوذ الطلاق إلا إذا بلغ مبلغًا يسلب صاحبه الإدراك، كالجنون، قال الرحيباني الحنبلي –رحمه الله-: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ.
والعبرة في عدد الطلاق الواقع بنيتك بالتكرار، وإذا لم تكن لك نية معينة، فالحكم يختلف باختلاف الصيغة التي كتبتها، فإن كنت كتبت: " أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق" فقد وقعت عليها ثلاث تطليقات، وبذلك يكون عقدك عليها من جديد باطل؛ لأنها على هذا الافتراض بانت منك بينونة كبرى، فلا تحل لك إلا إذا تزوجت زوجًا غيرك - زواج رغبة لا زواج تحليل - ويدخل بها الزوج الجديد، ثم يطلقها، أو يموت عنها، وتنقضي عدتها منه.
وأما إن كنت كتبت: " أنت طالق طالق طالق" فقد وقعت عليها طلقة واحدة، وعقدك عليها بعد العدة صحيح إن استوفى الأركان والشروط.
قال ابن قدامة الحنبلي -رحمه الله-: فإن قال أنت طالق طالق طالق، وقال أردت التوكيد قبل منه .. وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات طلقت ثلاثًا، وإن لم ينو شيئًا لم يقع إلا واحدة؛ لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا يكنّ متغايرات.
و قال: وإذا قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق لزمه تطليقتان، إلا أن يكون أراد بالثانية إفهامها أن الأولى قد وقعت بها، أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة، وإن لم تكن له نية وقع طلقتان، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وهو الصحيح من قولي الشافعي.
وهذا كله على مذهب الجمهور خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يرى وقوع طلقة واحدة بهذه الألفاظ، قال -رحمه الله-: .. وكذلك إذا طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة، أو العقد عند مالك، وأحمد في ظاهر مذهبه، وغيرهما؛ ولكن هل يلزمه واحدة؟ أو ثلاث؟ فيه قولان: قيل: يلزمه الثلاث؛ وهو مذهب الشافعي، والمعروف من مذهب الثلاثة، وقيل: لا يلزمه إلا طلقة واحدة؛ وهو قول كثير من السلف والخلف، وقول طائفة من أصحاب مالك، وأبي حنيفة؛ وهذا القول أظهر.
وأما بخصوص كنايات الطلاق فلا يقع بها الطلاق من غير نية، وكنايات الطلاق هي الألفاظ التي تحتمل معنى الطلاق وغيره، مثل : "هي انتهت" أما الألفاظ التي لا تحتمل معنى الطلاق مثل: "هي ما تستاهلنيش" أو "تعبت" فليست كناية، فلا يقع الطلاق بها ولو بنية الطلاق.
واحذر من الوسوسة في أمور الطلاق، أو غيرها، واعلم أن مجاراة الوساوس تفضي إلى شر وبلاء، والإعراض عنها خير دواء لها.
والله أعلم.