الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إعانة المرأة الموسرة الرجل المعسر على تكاليف الخطبة بادرة حسنة ما لم تؤد إلى الاجتراء على المحرمات فترة الخطبة، أو يقصد منها الاحتيال على تلك المنكرات باسم الخطبة، فقد بينا مرارا أن علاقة الخاطب بخطيبته ما لم يتم عقد النكاح كعلاقة الرجل بالمرأة الأجنبية باستثناء النظرة الشرعية بشروطها، فتحرم عليهما الخلوة والنظرة المحرمة واللمسة والقبلة والضمة... فكل هذه من المنكرات الخطيرة الداخلة في قول الله جل جلاله: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32}.
فتجب على الخاطب أولا التوبة النصوح من هذه المنكرات وقطع تلك الزيارات ما دامت تؤدي إلى شيء من تلك المنكرات، فإن للوسائل أحكام مقاصدها، ويجب على الخاطب الصبر والتعفف إلى أن يجعل الله له من أمره فرجا، كما قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:33}.
كما يجب عليه ثانيا مناصحة المخطوبة ـ إما من خلال وليها أو مباشرة إذا أُمنت الفتنة ـ بالتوبة النصوح مما وقع بينهما، والتعفف واختيار المرأة الصالحة من أهم أسباب نجاح الحياة الزوجية وصلاح الذرية، ففي صحيح مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ.
ولا شك أن جسارة المرأة على المحرمات مع خطيبها يتنافى وصلاح المرأة وحشمتها، غير أن ما وقع بينكما قد تكون زلة سببها تأخر الزواج، فلا ينبغي للخاطب أن يبادر بفسخ الخطبة لمجرد ذلك، فإذا تابت المخطوبة بعد مناصحتها وحسنت توبتها فنوصي الخاطب بالمبادرة إلى عقد النكاح عليها حسما لمادة الفتنة، أما إذا لم تتب ولم تحسن توبتها، فلا ينبغي للرجل أن يحمله ضيق ذات اليد على سوء اختيار شريكة حياته ومربية عياله، فالأولى عندئذ فسخ الخطبة ورد ثمن الشبكة والبدلة إليها، والله كفيل بإغنائه ما دام يطلب العفاف والستر، وأن يبدله خيرا منها فهو بكل جميل كفيل، ففي سنن النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ. صححه الألباني.
وينظر للفائدة كلام الإمام ابن تيمية في رد الهدية إذا زال سببها في الفتوى رقم: 229375.
وأخيرا، فعلى المذنب مهما طالت غفلته أن يتوب من ذنبه فورا توبة نصوحا، فإن هذا خير أمان له من غضب الله ونقمته فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم عليه أن يحذر أسباب المعصية ودعاتها فإن الله يبتلي التائبين بمثل ذلك ليعلم صدق توبتهم وهو العليم الحكيم، أما المصرون على المعصية فقد يعاقبون بذنوب أخرى من جنس ذنوبهم أو أشد منها، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ {الصف:5}.
وقال ابن القيم: والمعاصي قد تكون بعضها عقوبة بعض فيكون لله على المعصية عقوبتان: عقوبة بمعصية تتولد منها وتكون الأولى سببا فيها، وعقوبة بمؤلم يكون جزاؤها، كما في الحديث المتفق على صحته عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:... وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا... اهـ.
والله أعلم.