الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمتنع عقلا ولا شرعا أن يتم نقل الأحاديث النبوية بدقة - وإن طال زمن تناقلها - طالما كانت تنقل عن طريق رواة ثقات ضابطين، وإنما يقدح في مصداقية الخبر إذا كتب مما يتناقله الناس على ألسنتهم دون أسانيد واضحة، أما إذا عرف الإسناد وكان متصلا بنقل عدل ضابط عن مثله مع خلوه من الشذوذ والعلة، فأي غضاضة في قبول مثل هذا الخبر؟! بل قبول مثل هذا هو الواجب شرعا، لقيام الأدلة على ذلك، وانظر الفتويين رقم: 8406، ورقم: 132912، وإحالاتها.
هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به العرب من قوة الذاكرة، ولذلك كانوا يعتمدون عليها، بخلاف الكتابة، فقد كانت نادرة فيهم، ومع ذلك فالبخاري لم يكن أول من كتب الحديث، وإنما بدأ تدوين الحديث في فترة مبكرة، بل دون بعضه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وانظر الفتويين رقم: 8516، ورقم: 111847.
وبخصوص علم الحديث: فقد ظهرت لبنته الأولى في فترة مبكرة سابقة على عصر الإمام البخاري، وكان بعض الصحابة لا يزالون أحياء، وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين أنه قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم، فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم وكانوا يقولون: إنما هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذونها، وإن هذا العلم دين فانظروا عن من تأخذون دينكم. اهـ.
والبحث عن الأسانيد والنظر في حال الرواة هو لب علم مصطلح الحديث.
والله أعلم.