الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمرجو للتائب الصادق في توبته أن يصير طيبا، وأن يعفو الله عنه ويرحمه، ويبدل سيئاته حسنات، وقد يجعله الله بعد التوبة أحسن مما كان، وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه طريق الهجرتين هذه المسألة نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه قال: الصواب أن من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود إلى أكمل منها، ومنهم من يعود إلى أنقص مما كان، فإن كان بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأشد حذراً وأعظم تشميراً وأعظم ذلاً وخشية وإنابة عاد إلى أرفع مما كان، وإن كان قبل الخطيئة أكمل في هذه الأُمور ولم يعد بعد التوبة إليها عاد إلى أنقص مما كان عليه، وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى مثل منزلته ـ هذا معنى كلامه رضي الله عنه. انتهى.
وقد وعد الله التائبين بقبول التوبة وتبديل سيئاتهم حسنات، فقال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ... إلى قوله: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 68ـ70}.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: إنما التبديل في حق من ندم على سيئاته وجعلها نصب عينيه، فكلما ذكرها ازداد خوفاً ووجلاً وحياء من الله ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة، كما قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ـ وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح، ومن كانت هذه حاله فإنه يتجرع من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعاف ما ذاق من حلاوتها عند فعلها، ويصير كل ذنب من ذنوبه سببا لأعمال صالحة ماحية له، فلا يستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات، وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة في أن الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه تبدلت سيئاته في الشرك حسنات، فخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبي فروة شطب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فقال: أسلمت؟ قال: نعم قال: فافعل الخيرات واترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلها، قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم، قال: فما زال يكبر حتى توارى. انتهى.
ولا يجوز لك أن تعتب على الله تعالى، لأنه ليس للعباد حق واجب عليه، وإنما يتعين أن تحسن الظن بربك وتسأله الهداية، ومن الأسباب المعينة على حسن الظن بالله تعالى: تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، وكثرة الدعاء، وقراءة كتب وأحاديث الترغيب والترهيب، وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه. وفي رواية: فليظن بي ما شاء.
والله أعلم.