الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالغضب لا يمنع من نفوذ الطلاق إلا إذا بلغ حداً سلب صاحبه الإدراك، وغلب على عقله؛ وانظر الفتوى رقم: 98385
وقولك لزوجتك: " بلغي نفسك أنّك طالق" صريح في الطلاق.
قال ابن نجيم الحنفي –رحمه الله-: وَمِنْهُ أَخْبِرهَا بِطَلَاقِهَا، بَشِّرْهَا بِطَلَاقِهَا، احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا، أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ، قُلْ لَهَا إنَّهَا طَالِقٌ. فَتَطْلُقُ لِلْحَالِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا، وَلَا عَلَى قَوْلِ الْمَأْمُورِ ذَلِكَ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق.
وفي المدونة: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ أَخْبِرْ امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا. مَتَى يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَيَوْمَ أَخْبَرَهَا، أَمْ يَوْمَ قَالَ لَهُ أَخْبِرْهَا؟ قَالَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، يَوْمَ قَالَ لَهُ أَخْبِرْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهَا؟ قَالَ: فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهَا. اهـ.
وعليه؛ فإن كنت تلفظت بطلاق زوجتك مدركاً، غير مغلوب على عقلك، فطلاقك نافذ.
وأما عدد الطلاق الواقع، فإن كنت شاكاً في تلفظك بأكثر من طلقة، فهو واحدة.
قال ابن قدامة –رحمه الله- : ومن شك في الطلاق، أو عدده. أو الرضاع، أو عدده بنى على اليقين.
وأما إن تيقنت من تكرار الطلاق، وشككت في نية التأكيد، أو التأسيس، فالظاهر –والله أعلم- اعتبار التأسيس.
قال الزركشي: وَمِنْهَا: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا، وَلَا اسْتِئْنَافًا بَلْ أَطْلَقَ، فَالْأَظْهَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِيقَاعِ كَاللَّفْظِ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ، فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنَ عَدَمُ ذَلِكَ. المنثور في القواعد الفقهية.
وهذا كله على مذهب جمهور أهل العلم، لكن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- يذهب إلى أنّ الطلاق المتتابع دون عقد، أو رجعة يحسب طلقة واحدة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 192961
والله أعلم.