الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقوله تعالى: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:8]. وعد من الله -عزَّ وجلَّ- بإعادة العقوبة على بني إسرائيل إذا عادوا إلى الإفساد.
وقوله تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ [الإسراء:8]. وعد من الله تعالى برحمة بني إسرائيل بعد ما حصل لهم في المرة الثانية المذكورة في الآية، وكان كما وعد الله -عزَّ وجلَّ- فإنه كثر عددهم وجعل منهم الملوك، ولكنهم عادوا إلى الإفساد بتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فعاد الله -عزَّ وجلَّ- إلى إذلالهم كما وعدهم.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: وقوله تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وهذا مما أخبروا به في كتابهم، وعسى وعد من الله أن يكشف عنهم، وعسى من الله واجبة، وجعل منهم الملوك، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا قال قتادة: فعادوا فبعث الله عليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فهم يعطون الجزية بالصغار. اهـ.
وقال البيضاوي -رحمه الله-: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الآخرة، وَإِنْ عُدْتُمْ نوبة أخرى عُدْنَا مرة ثالثة إلى عقوبتكم، وقد عادوا بتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم- فعاد الله بتسليطه عليهم فقتل قريظة، وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين. انتهى.
فتبين بهذا أن وعد الله -عزَّ وجلَّ- لهم بالرحمة إنما يتحقق إذا لم يفسدوا؟ وكفرهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- من أعظم الفساد، فلا يرحمون مع فسادهم هذا، ولكن قد يمهل الله -عزَّ وجلَّ- لهم ويستدرجهم بنوع من التمكين، كما جرت سنته سبحانه في الظالمين، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، واللفظ لـ البخاري.
والله أعلم.