الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أصيب المسلم بمرض فإنه يجازى عليه بتكفير خطاياه، سواء تداوى أم ترك التداوي، وسواء عرفه أم لم يعرفه، فقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ. فقد جاءت كلمة (مصيبة) نكرة في سياق النفي لتعم كل مصيبة تلم بالمؤمن، وكذلك في الحديث الثاني جاءت كلمة (وصب) -وهي بمعنى مرض- نكرة في سياق النفي فتعم كل مرض.
وأما تخفيف المرض، وتقليل أعراضه، فإنه داخل في التداوي، سواء كان للمرض علاج أم لا، وقد ذكرنا أن الإسعافات الأولية نوع من أنواع التداوي، وأنها تتضمن تخفيف الآلام وغيرها، وراجعها في الفتوى رقم: 118192.
وأما أكل أطعمة تنفع من مرض ما، كالسكري، وغيره، فهل تعد من التداوي ولو لم ينو بها صاحبها التداوي؟ فنقول: إن أكَل هذه الأطعمة على أنها نافعة لتخفيف المرض، فإنه يعد طالبًا للتداوي، وأما إن أكلها لأنه يشتهيها -مثلًا- ولا يقصد العلاج بها، فإنه لا يعد طالبًا للتداوي.
وأما ترك الرجيم لصاحب السكري، فإن كان سيؤدي إلى ضرر في تركه، فهو بالخيار بين فعله وتركه، وأما إن أدى ترك الرجيم، أو غيره من الأدوية إلى الهلاك، وكان الدواء محقق النفع، فلا يجوز؛ لقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ {النساء: 29}.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة بين جواز التداوي، أو ندبه، أو وجوبه، أو أنه خلاف الأولى، وراجع في هذا الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9729، 27266، 30645، 189227.
وأما المريض الذي لا يعلم أنه مبتلى بمرض معين، فإنه يجازى على مرضه هذا، كما سبق ذكره في أول الكلام، وأما كونه يدخل في باب الصبر على المرض، فلا يدخل إلا إذا كانت له أعراض، كصداع، ونحوه، وصبر عليها, وإلا فكيف يتصور أن يصبر على شيء وهو لا يعلمه، ولا يحس به؟
والله أعلم.