الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في الأحق بولاية تزويج المرأة، فمنهم من يقول يقدم الأب والجد على الابن، ومنهم من قال يقدم الابن عليهما، ومنهم من قال لا ولاية للابن إلا أن يكون له سبب آخر كأن يكون ابن عم، أو مولى، أو حاكما، فيلي بذلك لا بالبنوة. المغني لابن قدامة.
لكن على كل الأقوال، فإنّ الابن والأخ يقدمان على العمّ في الولاية، قال ابن قدامة رحمه الله: لا خلاف بين أهل العلم في تقديم الأخ بعد عمودي النسب، لكونه أقرب العصبات بعدهم. اهـ
واعلم أنّ المرأة إذا رغبت في الزواج من كفئها فلا حق لوليها في منعها من التزوج به، فإن منعها كان عاضلاً، ويجوز لها حينئذ رفع الأمر للقاضي الشرعي، و في جواز انتقال الولاية للأبعد من الأولياء دون الرجوع للحاكم خلاف بين أهل العلم، قال ابن قدامة رحمه الله: إذا عضلها وليها الأقرب، انتقلت الولاية إلى الأبعد، نص عليه أحمد، وعنه رواية أخرى تنتقل إلى السلطان، وهو اختيار أبي بكر، وذكر ذلك عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ وشريح، وبه قال الشافعي.
وقد سبق أن رجحنا القول بانتقال الولاية إلى الولي الأبعد دون السلطان، كما في الفتوى رقم: 32427.
فإن كانت أمّك تزوجت عن طريق عمها بسبب عضل أولادها وأخيها، فزواجها صحيح، وأما إن كان زوجها عمها دون مسوّغ، ففي صحة زواجها خلاف بين أهل العلم، قال المرداوي رحمه الله: وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب، أو زوج أجنبي: لم يصح، هذا المذهب بلا ريب، وجزم به في الوجيز وغيره، وصححه في النظم، وغيره، وقدمه في المغني والشرح، وغيرهما، وعنه: يصح ويقف على إجازة الولي، ولا نظر للحاكم، على الصحيح من المذهب، وقيل: إن كان الزوج كفؤا أمر الحاكم الولي بالإجازة، فإن أجازه، وإلا صار عاضلا، فيجيزه الحاكم. اهـ
فالخلاصة أنّه لا يجوز لكم منع أمكم من التزوج بكفئها، ومنعها من الزواج بغير مسوّغ عقوق لها، وإذا كانت تزوجت بولاية الأبعد من الأولياء دون عذر، فالأحوط تجديد العقد عن طريق الأقرب، لكن إن ترتب على ذلك مفسدة، فلا مانع من الأخذ بقول من يصحح هذا النكاح، قال الشاطبي رحمه الله: فَالنِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ قَدْ يُرَاعَى فِيهِ الْخِلَافُ، فَلَا تَقَعُ فِيهِ الْفُرْقَةُ إِذَا عُثِرَ عَلَيْهِ بَعْد الدُّخُولِ، مُرَاعَاةً لِمَا يَقْتَرِنُ بِالدُّخُولِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي ترجح جَانِبَ التَّصْحِيحِ. اهـ
والله أعلم.