الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ صحابي جليل القدر شهد بدرا، وله مكانة عظيمة من الورع والزهد والفقه في الدين, وهذه الوصية له ـ حين بعثه إلى اليمن ـ من قبيل موعظة الإمام لولاته على شؤون المسلمين, وتحذيره لهم من الظلم الذي قد يصدر منهم, فالعصمة ليست إلا للرسل والأنبياء, والإنسان مهما عظمت مكانته شرعا, فقد يصدر منه ظلم بسبب غلبة النفس, أو الشيطان. والتحذير من الظلم هنا شامل لكافة أنواعه, ويشمل ذلك أخذ كرائم أموال الناس أوإيذاءهم بكلام, أو غيره, جاء في شرح النووي لصحيح مسلم تعليقا على هذا الحديث: وفيه بيان عظم تحريم الظلم، وأن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته. انتهى.
وفي عمدة القاري للعيني: قوله: واتق دعوة المظلوم ـ أي: تجنب الظلم، لئلا يدعو عليك المظلوم، وقيل: هو تذييل لاشتماله على الظلم الخاص وهو أخذ الكرائم وعلى غيره، وحذر معاذا ـ رضي الله تعالى عنه ـ من الظلم مع علمه وفضله وورعه، وأنه من أهل بدر وقد شهد له بالجنة، غير أنه لا يأمن أحدا، بل يشعر نفسه بالخوف. انتهى.
وفي مرقاة المفاتيح لعلي القاري: واتق دعوة المظلوم ـ أي في هذا وغيره بأن تأخذ ما ليس بواجب عليه أو تؤذيه بلسانك، فإنه ـ أي الشأن ـ ليس بينها وبين الله، أي قبوله لها حجاب أي مانع، بل هي معروضة عليه تعالى. انتهى.
وفي إرشاد الساري للقسطلاني: واتق دعوة المظلوم ـ أي تجنب جميع أنواع الظلم، لئلا يدعو عليك المظلوم، وإنما ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم للإشارة إلى أن أخذها ظلم. انتهى.
وهكذا كل من يتصدى للدعوة إلى الله تعالى, فإنه وإن كان على خير عظيم, لكنه غير معصوم من ظلم الناس, فليس بمستحيل أن يقع منه ظلم لهم.
والله أعلم.