الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاكم الله خيرا على اهتمامكم بشأن الدعوة إلى الإسلام، ونشره بين الناس. ونسأل الله سبحانه أن يحفظكم، وينفع بكم، وأن يزيدكم عزما، وبصيرة في دينه.
وأما بخصوص ما سألت عنه من الصور التعبيرية، والكرتون الرمزي لما في الدار الآخرة: فنفيدكم بأن هذا العمل تكتنفه محاذير، منها: تكلف ما لا علم لنا به، والله تعالى يقول: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36}.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة، ونار كأنها تمثل النار؟
فأجاب: هذا لا يجوز؛ لأننا لا نعلم كيفية ذلك، كما قال عز وجل: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة: 17}. ولا يعلم كيفية النار، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزء بما فيها النار الغليظة كنار الغاز، وغيرها وما هو أشد، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع، ولهذا بلغ من يفعل ذلك أن هذا حرام، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدؤوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة. اهـ.
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك: حقائق الغيب من الماضي، والحاضر، والمستقبل لا يمكن تصورها فضلا عن تصويرها! ومن ذلك: أحوال القيامة كالبعث، والصراط، والميزان، وما يسبق ذلك من النفخ في الصور، وما ينشأ عنه من فزع، وصعق، وتغيرات في العالم العلوي، والسفلي وما يصاحب ذلك من أهوال. اهـ.
ومنها: زوال هيبة هذه الأمور من قلوب المدعوين ، فقد يكون إبهام صفاتها أروع في القلوب.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السحيم بعض المحاذير من وراء تمثيل مشاهد القيامة ومنها: ذهاب هيبة ذلك اليوم من النفوس، وقد جَعَل الله لذلك اليوم هيبته، وساق به النفوس، فإن الله لما ذَكَر الربا قال بعد ذلك: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وتكرر في السنة النبوية كثيرا: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر..." كل ذلك لكي يبقى لذلك اليوم هيبته في النفوس، ولكي ترتدع، وتَنْزَجِر النفوس الجامحة، إذا علِمتْ أن هناك يوما آخر فيه جزاء، وحساب، وطول وقوف، وأهوال، وأحوال لا يَعلم حقيقتها إلا الله. والعلماء إذا تكلّموا في أحاديث الوعيد أجروها على ظاهرها، لأنهم يَرون أن هذا أردع، وأبلغ في النفوس. هذا وهو تفسير للنّصّ، وشرح للمعنى، فكيف به وهو تمثيل وتجسيد ليوم القيامة. انتهى.
وعلى ذلك، فنرى عدم جواز عمل الصور المذكورة، بل يكتفى بالوصف الكلامي، مع انتقاء الأسلوب المناسب، وحسن عرضه للمدعوين، ففي ذلك غنية إن شاء الله.
وتذكر أيها السائل الكريم قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56}.
فعلى الدعاة إلى الله أن يكتفوا بالوسائل المشروعة للدعوة، وأن يعرضوا عن سواها، والهداية بعد ذلك بيد الله عز وجل؛ قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.{الإنسان:30 ، 31}.
وانظر للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 21363، 29347، 236017، 226885.
والله أعلم.