الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في فضل الهدية أحاديث كثيرة، بينا بعضها في الفتوى رقم: 143107.
ويتبين من مضمون هذه الأحاديث أن الهدية سبب للتحاب، والألفة، وإذهاب ما في الصدور، ولكن الصورة المذكورة قد تُؤدي إلى عكس ذلك، فكل واحد من هؤلاء يرجو الإثابة من صديقه، وهو جاهل بما يُثيبه به، فقد يكون أكثر، أو أقل مما يُرضيه، وهي مشتملة على الغرر من جهة جهالة كل واحد منهم بالعوض الذي سيصل إليه، والغرر لا يجوز في الهبة التي يراد بها الإثابة عند الأئمة الأربعة، والأئمة الثلاثة، عدا: مالك لا يجيزون الغرر في أي هبة، ومالك يمنع منها في الهبة التي يُراد بها الإثابة، قال ابن قدامة في المغني: فصل: قال أحمد، في رواية أبي داود، وحرب: لا تصح هبة المجهول، وقال في رواية حرب: إذا قال: شاة من غنمي ـ يعني: وهبتها لك ـ لم يجز، وبه قال الشافعي، ويحتمل أن الجهل إذا كان في حق الواهب، منع الصحة، لأنه غرر في حقه، وإن كان من الموهوب له، لم يمنعها، لأنه لا غرر في حقه، فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له، كالموصى له، وقال مالك: تصح هبة المجهول، لأنه تبرع، فصح في المجهول، كالنذر والوصية، ووجه الأول، أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط، فلم يصح في المجهول، كالبيع بخلاف النذر والوصية. انتهى.
وقال: فصل: ولا تصح هبة الحمل في البطن، واللبن في الضرع، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور، لأنه مجهول معجوز عن تسليمه.
وجاء في القوانين الفقهية لابن جزي المالكي: وَحكم هبة الثَّوَاب كَحكم البيع يجوز فِيهَا مَا يجوز فِي الْبيُوع، وَيمْتَنع فِيهَا مَا يمْتَنع فِيهَا من النَّسِيئَة وَغير ذَلِك. انتهى.
فعلى هذا لا تجوز هبة الثواب عند الأئمة الأربعة إذا اشتملت على الغرر، وجاء في الموسوعة الفقهية: وعلى مذهب الجمهور يشترط أن يكون العوض معلوما معينا كما في البيع، فإن كان العوض مجهولا، فإن الأصح عند الحنابلة ـ وهو مذهب أبي ثور الآخر ـ أن الهبة تفسد ويكون حكمها حكم البيع الفاسد يردها الموهوب له إلى الواهب بزيادتها المتصلة والمنفصلة، لأنه نماء ملك الواهب، وإن كانت تالفة رد قيمتها، وحجتهم أنه بيع يفتقر إلى التراضي بسبب الجهالة، أما الشافعية في المذهب فيرون أن الهبة باطلة إذا كان العوض مجهولا، لتعذر صحته بيعا لجهالة العوض، ولتعذر صحته هبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه...
ثم ذكروا بعض التفاصيل في مذهب أحمد، وأبي حنيفة ـ يمكنك مراجعتها.
ثم هناك محظور آخر، وهو أن صورة المسألة تشتمل على تعليق الهبة على شرط، كأن الواحد يقول، من خرجت قرعته فعليه هدية لمن خرجت له، وذلك لا يجوز، قال ابن قدامة في المغني: فصل: ولا يصح تعليق الهبة بشرط، لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط، كالبيع، فإن علقها على شرط، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك ـ كان وعدا. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ولما كانت الهبة من عقود التمليكات، وإن مقتضى التمليك هو الجزم والتنجيز، لذلك فقد منع فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة في المعتمد تعليق الهبة أو إضافتها إلى المستقبل، لأن الهبة تمليك في الحال، والتعليق والإضافة تنافيه، أما فقهاء المالكية: فإنهم وإن كان الأصل عندهم ـ كما ضبطه القرافي ـ أن التمليكات لا تقبل التعليق، لأن طريقها الجزم، إلا أنهم يذهبون إلى أن الوعد في التبرعات إذا كان على سبب ودخل الموعود له بسبب الوعد في شيء على المشهور أو لم يدخل على قول أصبغ، فإنه يكون لازما ويقضى به على الواعد، وذلك بناء على ما اشتهر عن مالك رحمه الله: أن من ألزم نفسه معروفا لزمه إلا من موت أو فلس. انتهى.
والصورة المسؤول عنها، مشتملة على شبهة القمار، فقد يدفع بعضهم مالاً، ويرجو أكثر، فيجد ما جاءه أقل، فالواجب أن تُترك هذه الصورة، وأن تتبادلوا الحث على الإهداء، فيهدي كل لمن يحب، فيكون هذا أكمل للسرور، وأبعد عن المحظور.
والله أعلم.