الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقذف غير المسلم مع حرمته، واستحقاق فاعله للتأديب والتعزير، إلا أن أهل العلم اختلفوا في إيجاب الحد به، وهل هو من الكبائر أم من الصغائر؟ والجمهور على أنه لا حد فيه، ونص بعضهم على كونه من الصغائر، كما سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 226105.
وجاء في حاشية ابن عابدين: قال الشارح في شرح الملتقى: قلت: والذي حررته في شرح منظومة والد شيخنا النجم الغزي الشافعي: أنه من الكبائر وإن كان صادقا، ولا شهود له عليه ... وإن لم يحد به، بل يعزر، ولو لغير محصن، وشرط الفقهاء الإحصان إنما هو لوجوب الحد، لا لكونه كبيرة. وقد روى الطبراني عن واثلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قذف ذميا، حد له يوم القيامة بسياط من نار» ". اهـ.
وقال صديق حسن خان في (حسن الأسوة): ذهب الجمهور إلى أنه لا حد على من قذف كافرا، أو كافرة. وقيل: يجب عليه الحد. اهـ.
يعني بهذا القائل: الظاهرية؛ فإنهم يوجبون الحد في ذلك، وقد نص ابن حزم على كونه من الكبائر.
فقال في (المحلى): قذف المؤمنات، المحصنات، البريئات من الكبائر الموجبة للعنة في الدنيا والآخرة، والعذاب العظيم في الآخرة، ودخل فيها قذف الأمة، والحرة دخولا مستويا؛ لأن الله تعالى لم يخص مؤمنة من مؤمنة. وبقي قذف الكافرة، فوجدنا الله تعالى قال: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} الآية- فهذا عموم تدخل فيه الكافرة والمؤمنة، فوجب أن قاذفها فاسق إلا أن يتوب ... ـ ثم ذكر حديثين في كون قول الزور من الكبائر ثم قال: ـ فصح أن قذف الكافرة البريئة قول زور بلا خلاف من أحد، وقول الزور من الكبائر، كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن القذف منه عام، ومنه خاص، المسلم وغيره يدخل في العام، وأما الخاص ـ وهو الموجب للحدـ فهو الذي يخص المسلم عند جمهور الفقهاء؛ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 48357.
وراجع للأهمية ما سبق أن أجبنا به على سؤالك السابق برقم: 265627 في مسألة عدم قتل المسلم بالكافر، وشبهة التمييز العنصري!
وأما مسألة عدم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام، فلا يقتضى عدم ابتدائهم بتحية أخرى تليق بحالهم غير السلام، الذي هو شعار الإسلام، وتحية أهل الجنة! وراجع في ذلك الفتويين: 6067، 19566.
ومما يوضح هذا مراعاة معنى السلام، وأنه لا يليق بحال الكافر، بخلاف أنواع أخرى من التحية، فإن منها ما يليق بحالهم.
قال القاضي عياض في (إكمال المعلم): معناه ـ يعني السلام ـ هنا: اسم الله، أي كلاءة الله عليك، وحفظه، كما يقال: الله معك، والله يصاحبك. والسلام: اسم من أسماء الله هو: {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن} ... وقيل: معنى سلام عليك: أي السلامة، والنجاة لكم، كما قال: {فَسَلامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين}. وقيل: معناه: أنا مسالم لك، وسلم لك غير حرب. والسِّلم، والسلام: الصلح. اهـ.
وهنا ننبه على أن يقين المسلم في دينه، وعلمه الجازم بكمال صفات الله تعالى وأحكامه، يقيه شر الشبهات، وقد قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا {الأنعام:115}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: صدق في الأخبار، وعدل في الأحكام. اهـ.
وأما شبهات الكفار فلا تكاد تنتهي، فإنهم لا يزالون يطعنون في دين الله تعالى ليحرفوا المسلمين عنه إن استطاعوا، ولذلك ينبغي التركيز في محاورة غير المسلمين على قضايا الإيمان، والتعريف برب العالمين، فإن من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، سهل عليه أن يتفهم، ويتقبل أحكام الدين الفرعية وإن لم يتبين له عللها؛ وراجع الفتوى رقم: 78928.
والله أعلم.