الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنبدأ بالإجابة على السؤال الأخير، لأن في الإجابة عليه مدخلا إلى الإجابة على بقية الأسئلة، فنقول: العفو من أسماء الله تعالى، ومعناه: الذي يمحو السيئات ويتجاوز عنها، جاء في تحفة الأحوذي: العفو: فعول من العفو، وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو أبلغ من الغفور، لأن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، وأصل العفو المحو والطمس، وهو من أبنية المبالغة، يقال عفا يعفو عفوا، فهو عاف وعفو. اهـ.
وجاء في فيض القدير مثل ذلك.
وقد جاءت نصوص كثيرة تدل على أن السيئات تمحى بالحسنات، كما في الآية: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114}.
وكحديث: وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني.
لكن العلماء اختلفوا في المقصود بذلك، هل هو محوها من صحيفة الإنسان تماما فلا يجدها فيها يوم القيامة، كما يفهم من ظواهر كثير من النصوص، أم أن المقصود إطلاعه عليها يوم القيامة ثم محوها بعد ذلك، كما يفهم من الآية الكريمة: وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:8}.
ومن حديث ابن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. رواه البخاري.
وانظر للتفصيل أكثر حول ذلك فتوانا رقم: 250720.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الخلاف في هذه المسألة ينبني عليه الجواب على سؤالك حول جواز الدعاء بمحو الذنوب وعدم عرضها على العبد يوم القيامة، فعلى القول بأن ذلك يحصل -كما هو رأي كثير من أهل العلم- يكون الدعاء بذلك جائزا، وعلى القول بأن الذنوب لا تمحى من صحيفة العبد إلا بعد أن يطلع عليها ويقرأها، فيكون الدعاء بذلك داخلا في ماهية الاعتداء في الدعاء الذي بينا بعض أمثلته في الفتوى رقم: 179925.
وهكذا الحال بالنسبة للآية الكريمة: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {الزلزلة:4}.
وقد أوضحنا في الفتوى رقم: 25711، أقوال المفسرين في معناها.
وعلى كل، فمن تاب من ذنب توبة نصوحا وتاب الله عليه، فإنه لن يجد يوم القيامة مضرة ذلك الذنب، وإن عرض عليه ورآه في صحيفته، فإنما ذلك ليعرف منة الله عليه وستره له في الدنيا وعفوه في الآخرة، فيسر بذلك ويفرح.
والله أعلم.