الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنفس الخبيثة، هي: الأمارة بالسوء، وانظر الفتوى رقم: 140529.
ومنها نفس الكافر، فيقال له إذا مات: اخرجي أيتها النفس الخبيثة... وانظر الفتوى رقم: 244486.
وأما علامات خبث النفس، فقد ذكرها العلماء بعنوان: علامات مرض القلب، ونلخصها لك من كتاب البحر الرائق: د. أحمد فريد:
1ـ أن العبد يتعذر عليه محبة الله عز وجل وإيثاره ومحبة الدار الآخرة، فيحيا في هذه الدنيا حياة البهائم، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ {محمد:12} فهو لا يعرف ربه عز وجل، ولا يعبده بأمره ونهيه، لا يعرف الأنس بالله عز وجل، ولا يعرف محبة الله عز وجل، ولا يعمل للدار الآخرة، بل يعيش ليأكل ويأكل ليعيش، فهو كالبهائم التي ليس لها هدف وليس لها غاية، فهو لا يدري لماذا خلقه الله عز وجل؟.
2ـ أنه لا تؤلمه جراحات المعاصي، فالجسد الحي يتألم بالجراحة إذا جرح، أما الميت: فلا يتألم: وما لجرح بميت إيلام ـ فهو لا يتألم بالمعاصي، وهذا الألم الذي يحس به المؤمن عندما يقع في المعصية يدعوه إلى التوبة وإلى الرجوع وإلى الاستقامة على طريق الله عز وجل، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ {الأعراف:201} أي: تذكروا عظمة الله، وتذكروا توعد الله عز وجل.
3ـ لا يوجعه جهله بالحق، والجهل مصيبة من أكبر المصائب، كما قيل للإمام سهل: أي شيء أقبح من الجهل؟ قال: الجهل بالجهل ـ وصدق، لأن هذا يسد باب العلم بالكلية، فإنسان يكون جاهلاً ويجهل أنه جاهل، فمثل هذا لا يقبل التعلم ولا يطلب العلم، فيظل في ظلمات الجهل، وفي الجهل قبل الموت موت لأهله، وأجسامهم قبل القبور قبور... وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور.
4ـ عدول صاحب هذا القلب عن الأغذية النافعة إلى السموم الضارة، فبدلاً من أن يسمع القرآن الذي وصفه الله عز وجل بقوله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {لإسراء:82} يستمع إلى الغناء والموسيقى والتمثيليات الهابطة والأفلام الساقطة التي تقتل الغيرة عند الرجال وتضيع حياء النساء، وفيها من الاستهزاء بشرع الله عز وجل وبعباد الله وتنبت النفاق، وتجعل الإنسان مستهتراً بالآخرة لا يصلح للخوف ولا يصلح للرجاء ولا يصلح للتوكل، ولا يصلح أصلاً لمحبة الله عز وجل وعبادة الله عز وجل.
5ـ أن العبد يستوطن الدنيا ويرضى بها، وتصير الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، فلا يسعى للآخرة ولا يحس في الدنيا بغربة، ولا يتطلع إلى الدرجات العالية وإلى مجاورة الله عز وجل في الجنة.
وقد ذكرنا في الفتويين رقم: 58477، ورقم: 253192، خطوات عملية لإصلاح النفس.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 97227.
والعبد يُخلق على الفطرة، ثم قد تحرفه الشياطين عن الطريق، وله إرادة بها يقع فعله، فهو مسئول عنه، وانظر الفتوى رقم: 35375.
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في درء تعارض العقل والنقل: والرسل صلوات الله عليهم وسلامه بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بإفسادها وتغييرها، قال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون {سورة الروم:30ـ32} وفي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم قال أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها ـ قالوا يا رسول الله أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير؟ فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ـ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ـ فالإقرار بالخالق سبحانه وتعالى والاعتراف بوجود موجود واجب الوجود قديم أزلي، كما أنه مركوز في الفطرة مستقر في القلوب. انتهى.
وقد بينا في الفتويين رقم: 99760، ورقم: 175641، الحكمة من قتل الغلام في قصة الخضر، فراجعها.
وبها تنتقض دعواك المذكورة من أنه لا طريق للنفس لتكون طيبة، لا سيما على قول من قال: إنه بقتله صغيراً مات مؤمنا، ففي هذا إكرام لوالديه بأن يموت الولد صغيرا مؤمنا، بدلا من أن يعيش كبيرا كافرا، ونوصيك بطلب العلم حتى تذهب عنك هذه الشبهات.
والله أعلم.