الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأفضل في حق المريض أن يتوكل على الله تعالى بقلبه، ويباشر أسباب التداوي بجوارحه، دون أن يعتمد قلبه عليها، ويتأكد ذلك في الأسباب الشرعية كالدعاء، ومن جملته، وفي حكمه: الرقية الشرعية.
قال ابن القيم في زاد المعاد: في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع، والعطش، والحر، والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا، ولا توكله عجزا. اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم، في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء، فاذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله: في هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء، وهو مذهب أصحابنا، وجمهور السلف، وعامة الخلف. قال القاضي: في هذه الأحاديث جمل من علوم الدين والدنيا، وصحة علم الطب، وجواز التطيب في الجملة ... وفيها رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية، وقال: كل شيء بقضاء وقدر؛ فلا حاجة إلى التداوي! وحجة العلماء هذه الأحاديث، ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل، وأن التداوي هو أيضا من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء، وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن، ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة، مع أن الأجل لا يتغير، والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها، ولا بد من وقوع المقدرات. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: التداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع، والعطش بالأكل، والشرب، وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء بطلب العافية، ودفع المضار وغير ذلك. اهـ.
وقال في موضع آخر: الحق أن من وثق بالله، وأيقن أن قضاءه عليه ماض، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعا لسنته، وسنة رسوله .. اهـ. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11782، 15012، 216799، 129657.
وأما الذي يتعارض مع كمال التوكل وإن كان جائزا فهو الاسترقاء، أي طلب الرقية من الغير، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 9468، 48420، 93499، 110983.
والله أعلم.