الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس للمرأة أن تخلع حجابها في بيتها، إلا إذا كانت آمنة من نظر الأجانب إليها من خارج البيت، وإن شق ذلك عليها في بعض الحالات، وذلك لدخول هذه الحالات في إطلاق أدلة الأمر بالحجاب، والنهي عن السفور؛ ولأن من شروط المشقة الجالبة للتيسير ألا يعود على التكليف بالإلغاء، كما هو الأمر في السؤال، ولأن المفسدة الحاصلة بالتكشف من فتنة للأنظار، وتقريب للفاحشة، وقطيعة للأرحام، أعظم من المصلحة الحاصلة بتخفيف تلك المشقة حتى في أيام الصيف الحارة، وإذا كان درء المفاسد مقدما على جلب المصالح عند استوائهما، فكيف إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة بكثير.
وينبغي على المرأة أن تعلم أن شرفها، ورأس مالها في عفتها، وصيانة جسدها من أعين الناظرين وإن كانوا بني خؤولتها، وأن صبرها على ما تعانيه من المشقة - في امتثال أمر الله بالستر والحجاب - لها عليه من الله تبارك وتعالى الأجر العظيم؛ قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}. كما ينبغي عليها أن تكون على يقين من أن الله جل في علاه جاعل لها بصبرها على تلك المشقة في امتثال أمره فرجا قريبا، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا{الطلاق:2}.
فإذا تقرر بما سبق أن مشقة ارتداء الحجاب في الظروف المشار إليها في السؤال، ليست مسقطة لوجوب الحجاب، عُلم أن إثم النظر إلى عورة المرأة يقع ابتداء على المرأة نفسها، إذا هي فرطت في حجابها الذي أوجبها الله عليها، كما يقع على الناظر ما لم تكن النظرة الأولى.
أما الأهل: فالواجب على الأب نفقة ابنته ما لم تتزوج وكان موسرا، ومن نفقتها السكن الساتر من أعين الناظرين.
قال ابن قدامة في باب النفقات، مبينا مقاصد السكن شرعا: وَلِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْمَسْكَنِ لِلِاسْتِتَارِ عَنْ الْعُيُونِ، وَفِي التَّصَرُّفِ، وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَحِفْظِ الْمَتَاعِ ... وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ لَهَا لِمَصْلَحَتِهَا فِي الدَّوَامِ، فَجَرَى مَجْرَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ. انتهى من المغني.
فإذا فرط الوالد في واجبه نحو ابنته، مع سعته، وحاجتها، ولم يوفر لها السكن الساتر من أعين الناس، أثم؛ لتقصيره في حقها، وفي صيانة عرضها، ولما يعرضها له بسبب ذلك من المعاناة، والمشقة البالغة.
والله أعلم.