الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الابن تزوج بعد ما حلف الأب بالطلاق ألا يتزوج تلك المرأة، فالمفتى به عندنا أنّ هذا الرجل قد طلقت زوجته ثلاثاً وبانت منه بينونة كبرى، وهذا قول أكثر أهل العلم، لكنّ بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به الطلاق، وإنما يراد به التهديد أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث لزم الحالف كفارة يمين ولا يقع به طلاق، وعند قصد الطلاق يرى أنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظر الفتوى رقم: 11592.
وكون الزوج لم يعلم بزواج ابنه لا يمنع وقوع طلاقه، ففي مصنف ابن أبي شيبة: عَنِ الْحَسَنِ، فِي رَجُلٍ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، فَدَخَلَتْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ قَالَ: إِنْ كَانَ غَشِيَهَا فِي الْعِدَّةِ فَغِشْيَانُهُ لَهَا مُرَاجَعَةٌ، وَإِلَّا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ.
أما على قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فلم يقع طلاق هذا الرجل ما دام قصده بالحلف تخويف ابنه ومنعه من زواج تلك المرأة ولم يقصد إيقاع الطلاق، وعليه كفارة يمين مبينة في الفتوى رقم: 2022.
وأما إن كان الابن تزوج قبل أن يحلف أبوه بالطلاق، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنّ الأب لم يحنث في يمينه، لأنّه كان يظن ابنه لم يتزوجها وأراد باليمين منعه، فيكون اليمين على أمر مستقبل ولا يحنث بما وقع قبل اليمين، قال الكاساني الحنفي رحمه الله: وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ يَمِينًا.... وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مَرِيضَةٌ: إذَا حِضْت أَوْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ.
والله أعلم.