الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حبك الخير لجميع المؤمنين، ونسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياك صفاء في القلوب، ونورا في الأبصار، وقد سبق الكلام على ماهية الاعتداء في الدعاء في الفتوى رقم: 179925.
وأما بخصوص ما ذكرت: فالظاهر أنه ليس من الاعتداء في الدعاء، إذ لا يلزم منه الدعاء بمستحيل أو بخلاف ما أخبر الله به، يقول الشيخ عبد الكريم الخضير: حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ـ الطالب، طالب العلم يعني في الدراسات المعروفة التي فيها الترتيب على حسب المكتسب من العلم، الذي ترتيبه الأول هل يتمنى لجميع زملائه ويحب لجميع زملائه أن يكون كل واحد منهم الأول؟ الأول مكرر؟.... نعم إذا كان طلبه للعلم لله، ولا يرجو من وراء ذلك أمرا دنيويا قد يتمنى هذا، إذا كان قلبه سليماً، وطلبه للعلم خالص لله يتمنى ذلك، لأن هذا مما يقربه إلى الله جل وعلا، وهذا مقصد عنده، لكن إذا كانت المنافسة من أجل الدنيا، تمنى أن يكون الأول على دفعته من أجل أن يحقق من أغراض الدنيا قبل الثاني وقبل الثالث، إذا كانت المسألة دنيوية فيتصور مثل هذا، وقد يغفل الإنسان، وقد لا يكون له هدف لا دنيا ولا آخرة ويحب أن يكون الأول ويتقدم على غيره بناءً على ما جبل عليه الإنسان من حب للشرف، لكن على المسلم لا سيما طالب العلم ألا يغفل عن هذا الحديث، لأنه لو غفل عنه وقع في المخالفة شعر أو لم يشعر، ولا شك أن هذه منزلة عالية، كون الإنسان يصل على هذا الحد، وأن الخير يصل إليه، أو يصل إلى غيره من المسلمين على حد سواء، هذه مرتبة عليا صعبة على كثير من الناس، ولا تتحملها كثير من النفوس، لكن مع ذلك إذا ربى الإنسان قلبه على التوجيهات الإلهية والتربية النبوية لا شك أنه لا يهتم بمثل هذا، بل يفرح بما يحصل لأخيه من الخير كما يفرح به لنفسه، ويسوؤه ما يحصل لأخيه من السوء ما يسوؤه إذا حصل له بنفسه.
وأما بالنسبة للزواج: فينبغي أن تحبي لأخواتك السعادة والهناء مع أزواجهن كما تحبين ذلك لنفسك، ولا يلزم من هذا أن تدعي لهن بالزواج من مثل من تزوجت به، أو بشخص مماثل له من كل وجه، فإن البشر متفاوتون في الأذواق والآراء، وكما قيل: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، فالإنسان إنما يسعد ويهنأ مع ما يناسبه هو.
أما الدعاء لجميع المسلمين بدخول الجنة بغير حساب ولا عقاب: فهذا من الاعتداء في الدعاء، لاستلزامه خلاف ما أخبر به الله وسوله، وانظري للفائدة الفتويين رقم: 235615، ورقم: 261094، وما أحيل عليه فيها.
وكذلك الدعاء بالهداية لجميع الناس، فإنه مخالف أيضا لما أخبر الله به من حكمته في وقوع الاختلاف، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {هود: 118ـ 119}.
وقال سبحانه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ {الأنعام:35}.
والله أعلم.