الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن معنى الصديقية، هو كمال الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، علماً، وتصديقاً، وقياما. كما قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة.
وقال السعدي: والصديقين وهم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق، وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا، وعملا، وحالا، ودعوة إلى الله. اهـ.
والصديقية هي أعلى المراتب بعد النبوة، فهي أعلى ما يمكن أن يصل إليه المؤمن من الصحابة، أو غيرهم، وليست حكرا على الصحابة بل يمكن الوصول إليها في هذا الزمان.
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة، في كلامه على مراتب السعداء، والكمل من الناس: فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة، والصديقية، والشهادة، والولاية.
وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما. وذكر تعالى هؤلاء الأربع في سورة الحديد فذكر تعالى الإيمان به، وبرسوله، ثم ندب المؤمنين إلى أن تخشع قلوبهم لكتابه ووحيه، ثم ذكر مراتب الخلائق شقيهم، وسعيدهم فقال: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم. وذكر المنافقين قبل ذلك، فاستوعبت هذه الآية أقسام العباد شقيهم وسعيدهم. والمقصود أنه ذكر فيها المراتب الأربع: الرسالة، والصديقية، والشهادة، والولاية فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة، ويليها الصديقية، فالصديقون هم أئمة اتباع الرسل، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة. اهـ.
ولم نقف على قول لأهل العلم بأن منزلة الصديقية خاصة بالسلف، بل إن الذي يفهم من كلام أهل العلم أنها مرتبة يصل إليها من اتصف بأوصافها.
فقد قال ابن القيم في طريق الهجرتين: فصل في مراتب المكلفين في الدار الآخرة، وطبقاتهم فيها.
الطبقة الرابعة: ورثة الرسل، وخلفاؤهم في أممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علما، وعملا، ودعوة للخلق إلى الله على طرقهم ومنهاجهم، وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة، والنبوة وهي مرتبة الصديقية، ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء، فقال تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ـ فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة، وهؤلاء هم الربانيون، وهم الراسخون في العلم، وهم الوسائط بين الرسول وأمته، فهم خلفاؤه، وأولياؤه، وحزبه، وخاصته، وحملة دينه، وهم المضمون لهم أنهم لا يزالون على الحق لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. وقال في مداج السالكين: فمن تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر. اهـ.
والله أعلم.