الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان بالإمكان تغيير ذلك، فينبغي تغييره، خشية أن يكون من التشبه بأهل المعصية.
أما إن كان لا يمكنك -كما فهمنا من سؤالك- فاستمري على تحميل المقاطع الصوتية لتلاوات القرآن، ولا يضرك ما يفعله الجهاز من تسميتها بغير اسمها.
ولولا مراعاة العرف الشائع عند الناس في معاني هذه الكلمات، لكان إطلاق هذه الكلمات على ما ذكر مما يمكن توجيهه من حيث اللغة؛ وذلك لأن الفنان مشتق من الفنِّ، والترتيل والتجويد فنٌّ من الفنون، مثل فن النحو، وفن الإعراب، وفن البلاغة، وفن البديع، وفن الفقه، وفن الأدب، وفن الشعر، وفن الطب، وغيرها مما راج تسميتها عند أهل العلم فنوناً.
فإن أصل كلمة فنان من الفن، وهو في اللغة: النوع، أو الضرب من الأشياء.
قال صاحب الصحاح: الفَنُّ: واحد الفنون، وهي الأنواع. والأفانينُ: الأساليبُ، وهي أجناس الكلام وطرقه. ورجلٌ مُتَفَنِّنٌ، أي ذو فنونٍ.
فيكون معناه: صاحب فنِّ التلاوة، أو فن التجويد، أو فن القراءة والترتيل، ونحو ذلك.
وأما إطلاق اسم الأغنية على المقطع الصوتي، فيصح إن أريد به تلاوة القارئ، لا نفس المقروء المتلو الذي هو كلام الله.
فإن الغناء في أصل اللغة متعلق بالصوت المسموع على وجه يطرب به سامعه.
قال ابن سيده في المحكم: والغناء من الصَّوْت: مَا طُرب بِهِ.
وفي الحديث المتفق عليه: مَا أذِن الله لشَيْء، كأذَنِهِ لنبيٍّ يتغنَّى بِالْقُرْآنِ. أي ما استمع الله لشيء، كاستماعه لنبي يحسِّن صوته في تلاوته القرآن جهراً، والتغني من الغناء، وكذا الأغنية.
قال النووي: معناه عند الشافعي، وأصحابه، وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون: "يُحسِّن صوته به".
وقال أبو منصور الأزهري في "تهذيب اللغة": فإن عبد الملك أخبرني عن الربيع، عن الشافعي أنه قال: معناه: "تحزين القراءة، وترقيقها". ومما يحقق ذلك الحديث الآخر: زينوا القرآن بأصواتكم. ونحو ذلك قال أبو عبيد.
وقال أبو العباس: الذي حصَّلناه من حُفَّاظ اللغة في قوله صلى الله عليه وسلم: كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن. أنه على معنيين، على الاستغناء، وعلى التطريب، قلت: فمن ذهب به إلى الاستغناء، فهو من الغِنى، مقصورٌ، ومن ذهب به إلى التطريب فهو من الغِناء: الصوتُ، ممدود، يقال: غنَّى فلان، يغني أغنية، وتغنى بأغنيةٍ حسنة، وجمعها: الأغاني. انتهى.
وكذلك الحديث: ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن. رواه البخاري وغيره.
قال ابن بطال: لأن تزيينه بالصوت، لا يكون إلا بصوتٍ يُطرب سامعيه، ويلتذون بسماعه، وهو التغني الذى أشار إليه النبي، وهو الجهر الذي قيل في الحديث، يجهر به بتحسين الصوت المُلين للقلوب من القسوة إلى الخشوع، وهذا التزيين الذي أَمَر به صلى الله عليه وسلم أُمَّته.
فهذا في تسمية صوت القارئ، وترتيله، وتلاوته تغنياً، أو أغنيةً.
أما تسمية القرآن نفسه الذي هو كلام الله: أغنيةً، فهذا لا يجوز؛ لأن القرآن كلام الله، وكلامه صفته، وكلام الله وإن كان عند السلف بصوتٍ وحرفٍ منه جل شأنه، كما نص عليه السلف كالإمام أحمد والبخاري وغيرهما، للأحاديث الصريحة الواردة في ذلك، إلا أن تسمية صفة الله، ووصفها هو من الأمور التوقيفية، فلا يصح إطلاق ذلك إلا بتوقيفٍ، خلافاً للمخلوقين. ولذلك ورد في الحديث، قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ. متفق عليه.
قال النووي: قال العلماء: المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن، وأصل الزمر الغناء، وآل داود: هو داود نفسه، وآل فلان قد يطلق على نفسه، وكان داود صلى الله عليه وسلم حسن الصوت جداً. انتهى.
فسمى صوت أبي موسى -رضي الله عنه- وصوت داود عليه السلام مزماراً، ولم يسمِّ نفس القرآن مزماراً.
والله أعلم.