الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هؤلاء هم خير الخلق بعد الأنبياء وأبي بكر الصديق، وليس هؤلاء الأخيار بِدْعًا من الصالحين الذين أصابهم البلاء في ذات الله عز وجل، فلم يزل البلاء ينزل بأنبياء الله وصالحي عباده لما له في ذلك من الحكمة، ولما أعده لهم من الكرامة والمنزلة الرفيعة التي ينالونها بصبرهم على الأذى فيه سبحانه، وليكونوا أسوة لغيرهم فيقتدي بهم الناس في صبرهم على الحق وثباتهم عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس أشد بلاء؟ فقال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة. رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى، وصححه الترمذي والألباني.
وقد ابتلي معظم الأنبياء وأوذوا من قبل الكفار، ومنهم -عليهم السلام- من قتل؛ كما قال الله تعالى عن بني إسرائيل: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ {البقرة:87}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {آل عمران:21}،
فلا عجب أن يقع لهؤلاء الصحابة مع عدلهم واستقامتهم أذى يصل إلى حد القتل نتيجة الحقد والكراهية التي يكنها أهل الكفر والجهل لهم؛ كما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الفتح:29}.
والله أعلم.