الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 263695. والتي أجبنا فيها عن سؤالك الأول: أن من دخل الجنة نال ما تمنى، ووجد ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئاً إلا أعطيه.
ثم لما سألت هل تستطيع أن تتمنى إذا دخلت الجنة أن تصاحب رفقاءك في حيك القديم، بما في ذلك من الاختلاط بالنساء، ومعاشرتهن وغيرها من المعاصي؛ قلنا لك: فينبغي التنبه إلى أن أماني أهل الجنة، ورغباتهم بعد دخولها، تختلف اختلافا كبيرا عن أماني أهل الدنيا، ورغباتهم، فإنهم لا يدخلونها إلا بعد أن ينقوا، ويهذبوا، ويصيروا طيبين في طباعهم، وأخلاقهم، وفي كل شيء، فهم منزهون عما تأباه الفطر السوية مما يقبح ويفحش.
فواضح من سياق كلامنا أننا نقصد باختلاف أماني أهل الدنيا عن أماني أهل الجنة، من حيث تمنيهم المحرمات في الجنة، والتي لم يرد أنها ستصبح حلالا في الآخرة؛ لذا لا يرد على جوابنا ما ذكرته من تحقق أمنية صاحب الزرع، وذلك لأن ما تمناه في الجنة هو من المباحات، وكذلك ليس في الحديث أن هذه الأمنية كانت له في الدنيا، ثم تحققت له في الجنة، بل تمنى ذلك في الجنة فتحققت له.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- كما نقلناه سابقا: وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا، ممكن فيها. قاله المهلب. انتهى.
فلا يصح أن تقول عن صاحب الزرع: لم تتغير أمانيه.
ثم رددنا على قولك: (كلما رأيت نساء أقول سأنكحهن في الجنة) وبينا أن هذا القول غير صحيح، وقد ذكرنا محذورين في هذا القول: فالمحذور الأول: أن من هؤلاء النساء من تكون متزوجة، فتكون لزوجها إذا دخلا الجنة.
والمحذور الثاني: أن ذلك من ادعاء الغيب؛ فقد لا تكون من نصيبك، ولو لم تكن متزوجة، وقد لا تدخل المرأة، أو أنت، أو كلاكما الجنة -عياذا بالله-.
ولكن حسبك أن تقول: أسأل الله أن أنكح مثلهن في الجنة. فعندئذ يصح أن تستدل بأن الله قادر على أن يخلق مثلهن.
وبهذا تعلم أننا لم نتأول كلامك بالباطل، أو بالعاطفة، بل أنت لم تدرك حقيقة ما أجبناك به، ونصيحتنا لك أن تهتم بما ينفعك في دينك، ودنياك، وآخرتك، وأن تبتعد عن مثل هذه الأسئلة التي فيها من التكلف ما لا طائل كبير تحتها.
وراجع الفتوى: 226711 وما أحيل عليها فيها.
والله أعلم.