الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحقيقة الاتفاق الذي حصل بينكم هو اشتراط المقرض على المقترض منفعة، وهي ـ هنا ـ إعفاء صاحب القرض من العمل مقابل تحمل شريكيه القيام به، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، وذلك غير جائز، وهل يفسد به القرض وبالتالي تفسد هذه الشركة أم لا؟ خلاف عند أهل العلم وانظر الفتوى رقم: 32478.
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: وأما المضاربة التي فيها شركة وهي أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما، مثل أن يخرج كل واحد منهما ألفا، ويأذن أحدهما للآخر في التجارة بهما، فمهما شرطا للعامل من الربح إذا زاد على النصف جاز، لأنه مضارب لصاحبه في ألف، ولعامل المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف، وإن شرطا له دون نصف الربح لم يجز لأن الربح يستحق بمال وعمل، وهذا الجزء الزائد على النصف المشروط لغير العامل لا مقابل له، فبطل شرطه، وإن جعلا الربح بينهما نصفين، فليس هذا شركة، ولا مضاربة، لأن شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل والمضاربة تقتضي أن للعامل نصيبا من الربح في مقابلة عمله، ولم يجعلا له هاهنا في مقابلة عمله شيئا، وإنما جعلا الربح على قدر المالين، وعمله في نصيب صاحبه تبرع، فيكون ذلك إبضاعا، وهو جائز إن لم يكن ذلك عوضا عن قرض، فإن كان العامل اقترض الألف أو بعضها من صاحبه، لم يجز، لأنه جعل عمله في مال صاحبه عوضا عن قرضه وذلك غير جائز. انتهى.
وكذلك، فهذا الشرط ـ وهو أن يقرضهما على أن يعفى من العمل ـ يعود على الربح بالجهالة، إذ لولا القرض لكان ربح الشريكين أكثر من ربح شريكهما صاحب القرض، لأنهما تساويا معه في قدر المال وزادا عليه بعملهما، فلما تساوى الثلاثة في الربح بسبب هذا القرض جهل قدر الربح الزائد لهما، فكان شرطا فاسدا مفسدا للعقد لجهالة الربح، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: ومتى اشترط شرطا فاسدا يعود بجهالة الربح، فسدت المضاربة، لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه، فأفسد العقد، كما لو جعل رأس المال خمرا أو خنزيرا، ولأن الجهالة تمنع من التسليم، فتفضي إلى التنازع والاختلاف، ولا يعلم ما يدفعه إلى المضارب. انتهى.
وقال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في الفروع: فَإِنْ شَرَطَا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا رِبْحًا مَجْهُولًا أَوْ مِثْلَ مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ، أَوْ مَعْلُومًا وَزِيَادَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ إلَّا دِرْهَمًا، أَوْ رِبْحَ نِصْفِهِ، أَوْ قَدْر مَعْلُومٍ، أَوْ سُفْرَةٍ، أَوْ عَامٍ، أَوْ أَهْمَلَاهُ، فَسَدَ الْعَقْدُ. انتهى.
وعليه، فتكون هذه المكتبة كلها ملكا لصاحب المال الممول للمشروع، فله الربح كله في حالة حصوله، وعليه الخسارة كلها في حالة حصولها، وللآخرينِ أجرة المثل مدة عملهما في قول جمهور أهل العلم، وقيل: لهما قراض مثلهما، وراجع تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 72779، ورقم: 111927.
وما اقترحته على شريكيك من أن يكون لهما راتب مقابل العمل في المشروع بعد إتمام تسديد دينهما لا يصحح الشركة بينكم، وأما عملك في المشروع: فهو تبرع، إذ لم يقع عليه عقد أو شرط، فلا يحق لك شيء على عملك، وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 77349، ورقم: 19603.
والله أعلم.