الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد وردت الأحاديث متكاثرة بهذا المعنى، وأن العبد يستقبل ربه تعالى إذا صلّى، وقد حشد ابن القيم جملة من هذه النصوص في الصواعق، فقال ما عبارته : الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَجَدْتَهَا مُفَسِّرَةً لِلْآيَةِ، مُشْتَقَّةً مِنْهُ؛ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ»"، وَقَوْلِهِ: "«فَاللَّهُ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ مَا لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْهُ»"، وَقَوْلِهِ: "«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ قِبَلَ وَجْهِهِ»"، وَقَوْلِهِ: "«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ»" رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: "«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ حَدَثَ سُوءٍ»". وَقَالَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«إِذَا قَامَ الْعَبْدُ يُصَلِّي أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَإِذَا الْتَفَتَ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَيْرٌ مِمَّنْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا الْتَفَتَ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ تُجَاهَ وَجْهِ الرَّحْمَنِ»"، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ بَيْنَ عَيْنَيِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا الْتَفَتَ قَالَ لَهُ: ابْنَ آدَمَ إِلَى مَنْ تَلْتَفِتُ؟ إِلَى خَيْرٍ لَكَ مِنِّي تَلْتَفِتُ؟»". انتهى.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى معنى هذه النصوص، فقال -رحمه الله-: ومن يقول هذا لا يقول إن وجه الله هو نفسه في نفس الأجسام المستقبلة، فإن هذا لا يقوله أحد من أهل السنة، بل يقول: فثَمّ إشارة إلى البعيد، وقوله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا [البقرة 115] أي: أينما تستقبلوا. والعبد إذا قام إلى الصلاة فإنه يستقبل ربه، والله يقبل عليه بوجهه، ما لم يصرف وجهه عنه، كما تواترت بذلك الأحاديث الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنما يستقبل ربه. وإذا كان كذلك؛ فقد أخبر أنه أينما استقبل العبد فإنه يستقبل وجه الله، فإن ثَمَّ وجه الله، فإن الله فوق عرشه على سماواته، وهو محيط بالعالم كله، فأينما ولى العبد فإن الله يستقبله. انتهى.
والمسلم إذا تدبر هذا المعنى، وأعطاه حقَّه من التأمل، والاستحضار، أورثه خشوعًا في الصلاة، وذلًا، ومسكنةً، بين يدي الله سبحانه.
والله أعلم.