الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حجك عن جدتك التي لا تستطيع الحج بنفسها، وقد حجت حجة الإسلام، فجائز -إن شاء الله-، وأما اعتمارك عن أبيك؛ فإن كان لم يعتمر عن نفسه، وهو قادر على العمرة، لم يجز لك أن تعتمر عنه، وإن كان قد اعتمر عن نفسه، وهو قادر على أداء العمرة بنفسه، ففي اعتمارك عنه قولان، فإن قلدت من يرى الجواز فاعتمرت عنه فلا بأس، والأحوط: ألا تفعل، خروجًا من الخلاف، وتفصيل ما أجملناه نسوقه لك من كلام الموفق ابن قدامة -رحمه الله-، وعبارته: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ إجْمَاعًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُجَّ، لَا يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ يَحُجَّ غَيْرُهُ عَنْهُ، وَالْحَجُّ الْمَنْذُورُ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي إبَاحَةِ الِاسْتِنَابَةِ عِنْد الْعَجْزِ، وَالْمَنْعِ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ وَاجِبَةٌ، فَأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ، فَيَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يُؤَدِّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجَّةِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ، فَبِنَائِبِهِ أَوْلَى. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي التَّطَوُّعِ، فَإِنَّ مَا جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ فِي فَرْضِهِ، جَازَتْ فِي نَفْلِهِ، كَالصَّدَقَةِ. الثَّالِث: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا، كَالْمَعْضُوبِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، كَالْفَرْضِ. انتهى.
وإذا اعتمرت ثم وهبت ثواب العمرة لوالدك الحي، فهذا جائز في مذهب الحنفية، والحنابلة، وانظر الفتوى رقم: 27664.
والله أعلم.