الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما نقلته عن مذهب الشافعية صحيح، وهو أن قضاء الصلاة الفائتة لعذر كنومٍ هو على التراخي لا على الفور، وقد استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض صلاة الصبح التي فاتته بالنوم حتى خرجوا من الوادي. رواه الشيخان.
وذلك عندهم مطلقٌ بلا قيدٍ في الزمن، ما لم يخف الموت بمرضٍ وحدٍّ وغير ذلك، كما في أداء الحج الواجب، خلافاً لقضاء صوم رمضان؛ لحديث عائشة في قضائه قبل رمضان القابل.
لكن اعلم أن كل ما كان قضاؤه عندهم على التراخي يأثم المكلف إذا مات قبل قضائه إن تمكن من ذلك ولم يفعل، وإن كان لا يأثم إثماً مستمراً في حياته مدة التأخير خلافاً لما كان قضاؤه على الفور.
كما قال صاحب "الإعانة" في قضاء الصوم: [ومن مات قبل أن يقضي فلا يخلو إما أن يفوته الصيام بعذر، أو بغير عذر، وعلى الأول: فإن تمكن من القضاء ـ بأن خلا عن السفر والمرض ولم يقض ـ يأثم]. اهـ.
وقال العمراني في "البيان": [إذا ثبت ما ذكرناه ـ أي أن وجوب الحج على التراخي ـ: ووجب عليه الحج ـ أي استكمل شروط وجوبه وإمكان فعله ـ فلم يحج حتى مات.. فهل يأثم بذلك؟ فيه ثلاثة أوجه: ... والثالث ـ وهو المشهور، ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره ـ: أنه يأثم؛ لأنه إنما جوزنا له التأخير بشرط السلامة]. اهـ.
وقال زكريا الأنصاري في "شرح الروض": [ولأنه إنما جُوِّز له التأخير لا التفويت، فيلزم الإحجاج عنه من تركته، ويخالف ذلك نظيره في الصلاة؛ فإنَّ آخِرَ وقتِها معلومٌ، فلا تقصير ما لم يؤخر عنه، والإباحة في الحج بشرط المبادرة قبل الموت فإذا مات قبله أشعر الحالُ بالتقصير]. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في "التحفة": [وإذا أخرها ـ أي: في الوقت ـ بالنية ولم يظن موته فيه ـ أي: في الوقت ـ فمات لم يعص؛ لأنه لم يقصر؛ لكون الوقت محدوداً ولم يُخرجها عنه، وبه فارق ما يأتي في الحج، ومثله فائتة بعذر؛ لأن وقتها العمر أيضاً]. اهـ.
قال أبو الضياء الشَّبرامُلُّسي في حاشية "النهاية": [يؤخذ من التعليل أن ما فات بعذر من صوم أو صلاة: كالحج، وبه صرح ابن حجر حيث قال: (ومثل الحج فائتةٌ بعذر لأن وقتها العمر أيضاً) اهـ، ومقتضى تشبيهه بالحج أنه بالموت يتبين إثمه من آخر وقت الإمكان]. اهـ.
والله أعلم.