الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فانا لم نر من أهل العلم من استدل بهذه الآية على عذاب القبر، ولا من فسر الحفرة المذكورة فيها بأنها حفرة القبر، ولكنه لا شك أن الموت على الكفر من موجبات عذاب القبر، ومن موجبات عذاب النار، ففي الصحيحين عن أبي أيوب ـ رضي الله عنه ـ قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال: يهود تعذب في قبورها.
وفي حديث البراء الطويل : فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي، فأفرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة. . رواه أحمد.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير (1/ 312): أن هذا مثل ضربه الله لإشرافهم على الهلاك، وقربهم من العذاب، كأنه قال: كنتم على حرف حفرة من النار، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا الموت على الكفر. اهـ
وقال أبو جعفر الطبري في تفسيره : يعني بقوله جل ثناؤه" وكنتم على شفا حفرة من النار"، وكنتم يا معشر المؤمنين من الأوس والخزرج على حرف حفرة من النار، وإنما ذلك مثل لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام، يقول تعالى ذكره: وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له. اهـ
وفي تفسير الرازي مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (8/ 313): واعلم أنه تعالى لما شرح النعمة الدنيوية ذكر بعدها النعمة الأخروية، وهي ما ذكره في آخر هذه الآية، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: المعنى أنكم كنتم مشرفين بكفركم على جهنم، لأن جهنم مشبهة بالحفرة التي فيها النار، فجعل استحقاقهم للنار بكفرهم كالإشراف منهم على النار، والمصير منهم إلى حفرتها، فبين تعالى أنه أنقذهم من هذه الحفرة، وقد قربوا من الوقوع فيها..... المسألة الثالثة: أنهم لو ماتوا على الكفر لوقعوا في النار، فمثلت حياتهم التي يتوقع بعدها الوقوع في النار بالقعود على حرفها، وهذا فيه تنبيه على تحقير مدة الحياة، فإنه ليس بين الحياة وبين الموت المستلزم للوقوع في الحفرة إلا ما بين طرف الشيء وبين ذلك الشيء. اهـ
والله أعلم.